أدرك أنّه النمر الأخير في دولة الحمير!
كانت الحمير، بعد إعلان الاستقلال وجلاء الاستعمار، قد انهمكت في الانتساب بكثافة إلى الجيش، كأنّما جرى ذلك بإيعاز من الاستعمار الذي أخلى مكانه للحمير، بينما ترفعت النمور عن هذه المهنة، فهي أسود الوغى، وهي في غنى، بأنيابها وزئيرها، عن السلاح والرياسة. ما حدث أنّ حمير التبن تسلحت بأنياب صناعية، فباتت مع الحوافر وصلابة الرأس حيوانات متوحشة. استولت على مؤسسة الجيش استيلاء كاملاً، وقضت على النمور قضاء مبرماً في السجون، وتحت التعذيب، أما من بقي من أسود وفهود، فهاجر ونزح هرباً بريشه، بعد أن صار النهيق نشيداً وطنياً، ورفس الجباه بالحافر وساماً ذهبياً.
ماذا سأفعل من غير جواز سفر. قال النمر باكياً؟
الحل هو التنكر بزي أتان! فالحمير مثل كل الطغاة تقتل الرجال، وتستحيي النساء، فهي جميلة، ومفيدة، وتخدم وتطيع، ويمكن أن تغتصب بسهولة، ويستولد منها أولاداً تجمع بين قوة النمور، وصبر الحمير.
عثر النمر على جلد حمار نافق، فجلد هذه الحيوانات بات غالياً وبالعملة السوداء. غسل الجلد سبع مرات بالتراب، ونظفه من القمل والصئبان، وخاطه من الجوانب، ولم يكن بحاجة للصيام، فقد نحف كل الشعب منذ أن حكمت الحمير البلاد، حتى بات مناسباً لجسمه، بعد إجراء بعض الإصلاحات والتطريزات. تدرب على النهيق، فلم ينجح، فلجأ إلى التكلم بالإشارة، حتى يخف زئيره الفصيح، وآوى إلى أجمةٍ لا يخرج منها إلا للوقوف في دور الفرن، ليحصل على بعض الخبز، أو التقاط بعض العظام، فحكم الحمير يتسبب في غلاء الأسعار، وارتفاع منسوب العار.
وفي أحد الأيام المنحوسة، وجد نفسه موقوفاً على حاجز من الحواجز الكثيرة، المنصوبة كمائن في المدينة مع بعض الكلاب وبنات آوى. حاول أن يوضح لعناصر الحاجز أنّه حمار أصلي مثلهم، فأبرز هويته التنكرية ودار واستعرض قوامه الحميري، مثل راقصة. لكن، يبدو أنّ حجمه، وطول متنه كان مريباً، والمرجح أنّ الحمير غبية ولم تفهم، والأرجح أنّ سبب توقيفه عدم إجادته لغة النهيق.
وزع رئيس عناصر الحمير، المحتجزين المشبوهين إلى قسمين، ثم قال قاضياً مفتياً: المجموعة الأولى حكمها الرفس والعفس حتى الموت، أما الثانية فخذوهم للاغتصاب “العشوائي”.
أعوذ بالله، النمر.. بطل الغابات وفارس السهول ومشرد قطعان الوعول والجواميس البرية يقتل رفساً من قبل أذلِّ البهايم. خطر له أن يزأر، لكنه سكت لسببين، أولهما أنه أفسد زئيره بالأكل النباتي الفاسد، والثاني أنه لا شيء أغلى من الروح.
أدرك أنّه وقع في شر بلية، وأنّ التنكر لم ينفعه، ولا الشعارات التي رفعها لصورة رئيس الحمير، التي تفديه بالروح والدم، على باب الأجمة، ولا الأعشاب التي أكلها، ولا الأنياب التي قلعها عند طبيب الأمراض النسائية بعمليات قيصرية.. واااااسفاه.
أطلق أحد الحمير الرصاص على فكه بالغلط، فمات من فوره، فازداد إدراكه أنّ الحمير أغبى الحيوانات، وأنّه لابد من البحث عن حيلة ينجو فيها بنفسه، ويفرّ مثل سائر الصحب والزملاء إلى أوروبا أو أفريقيا، أو حتى إلى الأسكيمو.
اقتادهم أحد الحمير الذكور ذوي القحوف الكبيرة التي تبدو سيماء الغباء الأصلي “الأوريجنال” في عيونها، مع مجموعة من الموقوفين من كلاب البرية الهزيلة، ووحوشها لتنفيذ الأحكام القضائية الميدانية، فأيقن بالهلاك، وحاول النجاة، فتقدم، وقال، مرققاً زئيره، إلى نهيق ضارع – للحمار القائد: رفيق .. لا تخلط. أنا من المحكومين بالاغتصاب.
العربي الجدد