قام بعض أفراد ما يعرف بـ”جيش الدفاع الوطني” في اللاذقية، أمس الخميس، بالتهجّم على ثلاث سيدات يقدن سيارة، فقط لأنهن قمن باستخدام “الزمور” (البوق) لتنبيه مسلحي “الوطني” للإفساح لهن كي يعبرن الطريق.
وبعد أن عبرت السيدات الثلاث، جاء واحد من ميليشيات الدفاع الوطني راكباً على دراجة نارية وبصحبته فتاة، ثم أقفل الطريق على السيدات، وقام بحركة استفزازية عبر حمل بندقية “الكلاشينكوف” وتلقيمها استعدادا لإطلاق النار. وعندما ظهر الخوف والارتباك على السيدات، قام بطبع قبلة على زجاج السائقة “بطريقة مقززة”، كما ذكر السيدة. ومن جهته، قال شاهد العيان، وهو من أبناء بلدة “جبلة”، إن الفتاة التي كانت بصحبة عنصر الدفاع الوطني “تدخلت ومنعته من إطلاق النار”، وأضاف مستنكرا الحادثة: “كان مشهدا من أسوأ ما رأيت في حياتي، والله تنظيم الدولة أحسن من هؤلاء البشر”.
ممارسات الأسد جمَّلت “تنظيم الدولة” بعين السوريين
لم تكن مقولة شاهد العيان، سالف الذكر، هي الوحيدة في هذا السياق، بل هي، عمليا، آخر “تصريح” شعبي يجعل من “التنظيم” أكثر رأفة بالناس من ممارسات ميليشيات الدفاع الوطني التي منحها نظام الأسد كل الصلاحيات والدعم والحماية اللازمة للتخلص من أي مساءلة قانونية.
وتزداد شكاوى المواطنين، بشكل يومي، من ممارسات ميليشيات الدفاع الوطني، فأغلبهم لا يحارب في مناطق القتال، وهم متفرغون للتنقل والحركة في مناطق الساحل، ومسلّحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة. ويمتلك هؤلاء صلاحية توقيف الأشخاص واعتقالهم واستجوابهم ومداهمة البيوت وإقامة الحواجز على الطرقات، ويمارسون أعمالهم غير القانونية، أصلا، وهم يتعاطون الخمور وبصحبتهم “صديقاتهم”، كما رأينا في الخبر السابق.
وعُلِم في هذا السياق، منذ فترة، أن تغييرات هيكلية طرأت على بنية “الدفاع الوطني”، فتم إعفاء بعض العاملين فيه وتعيين آخرين، ليتبين لاحقا أن وراء هذه التغييرات تعزيزا لسلطة مسلحين منتفعين، يمكن للنظام أن يستخدمهم بسهولة أكبر، كونهم ليسوا من أبناء عائلات المنطقة، بل من الأرياف البعيدة وأعالي الجبال، كمنطقة “المشيرقة” التي تفصل آخر ريف لجبلة مع محافظة حماة، أو من بعض نازحي حمص الذين تجمعهم والساحل، كما هو معلوم، روابط مذهبية.
وتذكر الأنباء التي يتداولها مثقفو المنطقة الساحلية، أن التململ الذي ضرب الشارع الموالي للأسد، وفي مسقط رأسه، من ارتفاع عدد القتلى وفقدان أغلب العائلات لعدد من أبنائها، بالترافق مع “فشل النظام من تحقيق أي مكسب أو من تصوير نفسه حاكماً للبلاد” دفع بالنظام إلى “إفلات زعران الوطني” في الشارع، لأن النظام لن يتمكن من تقبّل أي احتجاج حتى لو كان احتجاج أمّ على مقتل ابنها، بسبب أن الساحل “هو ورقته الوحيدة التي لن يضحي بها على الإطلاق”.
وعلى هذا، فإن عمليات السرقة التي تتم على مدار الساعة، واختطاف الأشخاص بغية الابتزاز وطلب الفدية (آخرها من 3 أيام في صافيتا)، والاعتداء على المارة وإهانتهم المتواصلة، تظهر كنتيجة للصلاحيات التي منحها نظام الأسد للدفاع الوطني للقيام بأعمال جرمية يعاقب عليها القانون بهدف إسكات الناس وتخويفهم تحت شعار: “هؤلاء يقاتلون دفاعا عنكم”، مع أن كل “زعران الوطني” لا يغادرون المدن ولا يقاتلون. وتذكر بعض الأخبار أن من ممارسات الدفاع الوطني فتح بيوت للقمار تحت حماية السلاح، وكذلك إدارة بيوت للأعمال المخلّة في المنطقة، دون أن تستطيع أي جهة رسمية من مداهمتهم على الأقل “لأنهم مسلحون أكثر من تسليح رجال الشرطة”، هذا فضلا عن الغطاء القانوني الممنوح لهم.
“ستايل” الميليشيات وأسلوبها في العمل
وكان باسل حافظ الأسد، والذي قضى في حادث سيارة في التسعينيات، قد أرسى “ستايل” جديدا في الظهور الرسمي لضباط الجيش السوري، من خلال إطلاق الذقن (اللحية)، الأمر الذي يعتبر ممنوعا في قوانين الجيش التي تفرض الحلاقة اليومية للذقن كنوع من الانضباط والحفاظ على النظافة العامة. وبعد وفاته، توقف هذا “الستايل” ولم يعد من الممكن رؤية ضابط سوري بذقن، إلا أن هذا “الستايل” قد عاد وبقوة في مظهر عناصر وضباط الدفاع الوطني، مضافين إليه ما استجد من منتجات وسلع.
يظهر عناصر الدفاع الوطني، عبر إطلاق لحية مشذبة ونظارات من النوع “البوليسي”، وزجاج سياراتهم “فيميه” معتّم. وبعضهم يظهر حليق الرأس بالكامل، مع الاحتفاظ بالذقن المشذبة كنوع من إرهاب الآخرين. وعادة يكون زيهم العسكري نظيفا ومكويا، لأنهم لا يمارسون أي أعمال قتالية.
في هذا “الستايل” يقفون في الشارع ويقطعون الطرقات ويجرون محادثات هاتفية أو شخصية ما بين سيارتين تتوقفان في عرض الشارع لتبادل أحاديث “سخيفة”، فضلا عن “السب والشتم والتلفظ بألفاظ نابية أمام المارة”، كما يقول أحد شهود العيان. كما كتب أحد سكان المنطقة عن ممارسات الوطني: “اذهبوا وشاهدوا أماكن القمار و(البيوت المخلّة)، شيء فوق الخيال. لا تقولوا أن لا أحد يعلم بذلك. أين الأمن؟ الجميع يعلم بأماكنهم”. وقال آخر إن مسلحي الدفاع الوطني “أقذر من التنظيم”. وهناك شهادات تتحدث عن ثروات طائلة جناها هؤلاء، فأطلقوا عليهم لقب “دواعش الداخل” الذين هم أخطر من “دواعش الخارج”.
ميليشيات لحماية آل الأسد في اللاذقية
الجزء الأساسي من تمويل الدفاع الوطني، وما يعرف بـ”درع الساحل”، يتم من خزينة وزارة الدفاع السورية، إلا أن المتبقي يدفع من عائلة آل الأسد الذين قتل أو مات بعض زعمائهم في الفترة الأخيرة. ويقوم آل الأسد بتمويل المسلحين للدفاع عن أملاكهم وثرواتهم التي حوّلوها منذ بداية الثورة السورية، إلى ذهب وعملات أجنبية، أو اشتروا بها أراضي بمساحات شاسعة لم يعد بمقدورهم استثمارها بعد اندلاع العمليات العسكرية، فبقيت أرضا مشاعا يمكن لأي من الناس الاستيلاء عليها، فيقوم مسلحو الدفاع الوطني بحراستها هي الأخرى.
وتذكر أخبار المنطقة أن آل الأسد باتوا يخشون أبناء منطقتهم في اللاذقية، كونهم ينعمون بحياة فارهة باذخة لا تنقطع فيها الكهرباء ومياهها نظيفة، ويتمتعون بكل متطلبات الحياة الحديثة، بينما يعيش أبناء المنطقة في فقر مدقع وبدون كهرباء أو ماء. وبسبب تقهقر آل الأسد سياسيا وعسكريا ومعنويا وشعبيا، بات “الأسديون” يخشون من أن يكونوا عرضة لعمليات نهب وسلب مصحوبة ربما بأعمال عنف تطيح بالعائلة من جذورها. وعلى الرغم من أن ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام وقائد الحرس الجمهوري، قد أرسل مئات العناصر لحماية “القرداحة” بحجة حراسة ضريح الأسد الأب من العبث والتخريب، إلا أن العدد لم يكن كافيا، فقام آل الأسد بإنشاء كتائب تحت جناح الدفاع الوطني، ومنحوها كل الصلاحيات الممكنة.
ويذكر بعض مثقفي المنطقة أن اللاذقية تشهد ولادة ظاهرة “صراع المماليك” ما بين متنفذي الآسد وأبناء العائلة من جهة، وقادة الميليشيات وأمراء الحرب من جهة أخرى. يقول البعض إنهم باتوا يحتاجون إلى نهضوي كبير كمحمد علي باشا ليقضي عليهم كلهم، دفعة واحدة، لأن اللاذقية “تفسّخت” بالميليشيات وعوضا مما كانت عليه من مدينة للشعر والفن والبحر والسياحة، أصبحت مدينة “للجهلة المسلحين الذين يدافعون عن جيوب آل الأسد” وحوّلوها إلى “عار يمشي على قدمين ويعيش على البحر المتوسط”.
يذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي عكست شهادات السكان اليومية على ممارسات الدفاع الوطني، وهي المنفذ الوحيد للتعبير عن احتقان أهل المنطقة. ولا يكاد يمر يوم واحد إلا ويكون هناك خبر إما عن اختطاف بقصد طلب الفدية، أو الاعتداء على الناس، أو ممارسة أي شكل من أشكال الخروج على القانون، إلى الدرجة التي يرى فيها ناشطون أن النظام بدأ يزيد ساعات تقنين الكهرباء إلى أكثر من 18 ساعة في اليوم (وأحيانا لا تأتي الكهرباء مطلقاً) فقط لإعاقتهم وتحويل أجهزتهم الإلكترونية “إلى خردة”، كما قال أحدهم.
المصدر: العربية نت