بعد ثماني سنوات من حكم باراك أوباما ( الديمقراطيّ )، ذو الميول الخطابية و التنظيرية و الفلسفية، أطاح فيها بهيبة أمريكا كدولة عظمى، يأتي دونالد ترامب ( الجمهوريّ )، الابنُ الرابع لأحد أشهر أقطاب تجارة العقارات الأمريكيين ( فريد ترامب )، ذو السبعين عامًا، المعرضُ عن السياسة طيلة حياته، المعروفُ بسلوكه المشاغب بين أقرانه، المعاني من الوسواس القهري المتعلِّق بـ ( رُهاب الجراثيم )، فكان يتجنّب مصافحة الآخرين و إذا ما اضطُرَّ لذلك فإنه ينزع يده منهم بسرعة، ذو الشخصية المزاجية المتناقضة، الطموحُ إلى أبعد مدى يمكنه الوصول إليه.
إلاّ أنّ الإدارة السيئة لأوباما، التي قادت الولايات الأمريكية خلال السنوات الثمان الفائتة، دفعته ملزمًا إلى ميدان السياسة، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، و العودة بها دولة قوية بما يليق بها لتكون قاطرة العالم أجمع.
تلك الصفات و السمات ستجعله ـ كما يرى المراقبون ـ بعيدًا عن الوقوع في كثير من المطبات، التي أوقع بها أوباما الولايات المتحدة، و جعل منها دولة منكمشة عن كثير من ملفات المنطقة، و في صدارتها الملف السوريّ.
و يعزِّز من هذه التوقعات الهيمنة المطلقة للجمهوريين على المؤسسة التشريعية بغرفتيها: النواب و الشيوخ، و هو الأمر الذي سيتعزّز أكثر عندما سيقوم بتعيين اثنين من قضاة المحكمة العليا، خلال أشهر قليلة من جلوسه في البيت البيضويّ، في العشرين من شهر: 1/ 2017.
صحيح أنّ أوباما قد أضاف إلى سجله و سجل حزبه مكسبين مهمّين على الصعيد الخارجي، تمثَّلا في تشليح سورية ترسانتها الكيمياوية، و تجميد إيران ملفَها النوويّ لعشر سنوات قادمة.
و هو على الرغم من توريطه روسيا في وحل الملف السوريّ، قد جعل صورة بلاده تهتزُّ كثيرًا في نظر السوريين، الذين رأوا في حالة التردّد التي اتسمت بها سنوات حكمه في فترتها الثانية، حالةً من الخذلان لهم، و جعلت النظام و حلفاءه في وضع مريح تكتيكيًّا.
ممّا جعلَهم يرقبون انتهاء فترته على أحرّ من الجمر، حتى و لو كانت على يد وزيرته الديمقراطية ( هيلاري كلنتون )، أو على يد أحد الخصوم التقليديّين من الحزب الجمهوري.
فهُم قد حُمِّلوا وِزرَ صداقة هذه الإدارة من أنصار النظام، في الوقت الذي طحنتهم فيها رحى الآلة العسكرية الروسية، و تكالبت عليهم قطعان إيران البشرية، من غير أن تسعفهم هذه الصداقة في أوقات محنتهم؛ فكانوا في ذلك بين فكّي كماشة: بين اندفاعة حلفاء النظام، و تراخي أصدقائهم المزعومين.
فلا فوارق تذكر في لغة وزيري الخارجية: ( كيري، و لافروف )، في المؤتمرات الصحفية، فكلاهما يهرف بما لا يصبّ في خانتهم، و يحمِّلهم تبعات خروجهم على منظومة الحكم، التي نسجوها طيلة خمسة عقود في سورية.
يرى المراقبون أنّ أطراف الحالة السورية إزاء هذا التغيير في الإدارة الأمريكية، على فريقين:
ـ يتمثَّل أولهما في السوريين المناهضين للنظام، الذي ينظرون إلى الإدارة الأمريكية القادمة، على أنّها مهما ساءت معها أحوالهم، فلن تكون كحالها مع الإدارة الراحلة، و هم يعزّون أنفسهم بالمثل القائل ( الغريقُ لا يخشى البللَ ).
ـ و ثانيهما في معسكر حلفاء النظام، الذين كانوا يتوجّسون خوفًا من أيّة إدارة أمريكية قادمة، ولاسيّما إذا كانت من الجمهوريين، فهم لن يحظوا بمثل الإدارة الحالية، مهما بلغ مستوى التنسيق مع أيّة إدارة قادمة.
و هو ما بدا واضحًا في الترحيب الحذر من الروس و الإيرانيين بنجاح ترامب، الذي بات واضحًا في خطاب فوزه، أنّه سيتجاوز كثيرًا من السياسات التي اختطّها سلفُه حيال ملفات المنطقة.
و عليه فإنّ أمانيَّهم في نصبِ أشرعتِهم على مراكبه، يغلبُ على الظنّ أنّها لن توصلَهم إلى شواطئ أحلامهم، فهو سيجدّف بها بعيدًا نحو مصالح أمريكا، التي فرّط بها أوباما كثيرًا.
مركز الشرق العربي للدراسات – د. محمد عادل شوك