لم يعد هناك شيء مقدس في الحرب السورية، فليس حق الحياة هو المسلوب فقط، بل حتى الشهداء في المقابر لم يسلموا من إجرام أسلحة نظام الأسد.
فإذا كان إكرام الميت دفنه بالمقابر، كان لابد لنظام الأسد أن يسلب هذا الإكرام، فعشرات المقابر وبمختلف المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام أو الخارجة عنها، نالت نصيباً وافرا من وسائل التخريب الأسدية، فمنها محاصر ومنها مدمر تحت القصف، ومنها لايزال يتعرض للقصف العشوائي إلى الآن.
إن المواطن السوري وحده من تعددت أماكن دفنه، فمن الممكن أن تكون حديقة منزله أو حاراته قبراً له بعد أن وضعت عدة حواجز أمنية من قبل النظام حولها، وأحيانا يبقى مدفونا تحت الأنقاض، وهذا أمر جلي عندما حاصر النظام المقابر ومنع دخول جثامين الشهداء إليها، بحجة أنهم “إرهابيون”، أو أثناء رمي المشيعين بالرصاص الحي.
حسام أحد المواطنين في اللاذقية يقول:” إن مدينة اللاذقية التي انتفضت لتلبية نداء درعا مباشرة في مارس 2011، وبسبب تركيبتها السكانية بين سني وعلوي قابلها النظام مباشرة بالقمع موقعاً مجزرة لعشرات الشهداء المدنيين، فكم من جنازات مؤجلة بقيت في منازلها خشية من إرهاب النظام، مما اضطرنا لدفنهم في حديقة عامة بأحد شوارع حي الرمل الجنوبي(المخيم الفلسطيني)، ومن هنا انتقلت فكرة الدفن بالحدائق إلى كافة المدن الثائرة”.
“شهيد يشيع شهيد” شعار تردد صداه في كل المظاهرات الشعبية خلال ثورة الحرية، فإذا ما كانت الحشود تشيع شهيد أو شهيدين، بات من الضروري أن يسقط عشرات من المشيعين بجنازتهم سواء أكان باستهدافهم بالطرقات أو أثناء وصولهم وتجمعهم داخل المقابر، مما جعلها تغص بالقبور الجديدة.
فليست المنازل والأسواق والمؤسسات هي فقط عرضة للقصف الممنهج، إنما كثير من المقابر تعرضت لقصف صاروخي، كقصف مقبرة (الحلفا) في مدينة إدلب بعد تحريرها مما أخاف الناس كثيراً من الذهاب إليها، لكن خوفهم الأكبر كان عندما قام جيش النظام باقتحام عدة مناطق كانت تابعة للفصائل المعارضة، وجال بطرقها باحثاً عن قبور المعارضين الموجودة خارج المقابر.
أحمد مواطن من مدينة إدلب يروي ما حصل بحديقة فرن الذرة أمام منزله فيقول:” فجأة شاهدت عشرات العناصر من جيش النظام بعد اقتحامهم لمدينة إدلب في مارس 2012، يبعثرون في القبور ونقلوها إلى المقابر وردموا حفرها، دون أن يتجرأ أحد على مواجهتهم”.
” فوق الموت عصة قبر” متل تجسدت معانيه في زمن الحرب، فحتى مراسم الدفن وأسعار القبور ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ وطردي مع تزايد أعداد الموتى، لتضحي تجارة الموت كغيرها من التجارات المربحة لبعض الأشخاص.
أحمد من حي كفر سوسة، العامل السابق بمحافظة دمشق يقول:” إن تجارة القبور تتم بعلم الجهات المسؤولة، التي لا تعير اهتماماً ولا تلاحق مستغلي أهل الميت، لأن السعر وفق المحافظة لا يتجاوز 20 ألف ليرة، فيما لا تقل أسعار المقبرة الواحدة حاليا عن 400 ألف ليرة في مناطق دمر وقدسيا والميدان، وتصل لأكثر من مليون ليرة بوسط دمشق كمقبرة الدحداح بشارع العابد”.
فيما تبقى المناطق المحررة أقل تكلفة من سابقتها من ناحية القبور فإن سعر الكفن يبلغ نحو 3 آلاف ليرة وتكاليف حفر القبر تقريبا ألف ليرة وثمن مواد البناء التي تُستخدم في بناء المقبرة تتجاوز 4 آلاف ليرة، هذا ما يؤكد عليه حسين الآغا العامل بالشأن الإغاثي بريف إدلب، حسب ما أفاد به لـ “العربي الجديد”.
كل الاحتياجات الضرورية للمواطن في سوريا بين الفقد والنقص المستمر، إلا أعداد المقابر في ازدياد، وهذه المرة بأشكال متعددة فمنها مقابر عمودية كالمقبرة التي حفرت بالغوطة الشرقية عند حلول مجزرة الكيماوي في أغسطس 2013، والأفقية في مدينة الحولة بعد مجزرة الأطفال داخلها التي ارتكبها عناصر النظام الأسدي في مايو 2012، فها هو الأسد يتفنن في ابتداع أدوات و وسائل الإجرام عله يمحي كل أثر لمن نطق بكلمة “حرية” في وجهه، ولكن هيهات هيهات أن يتحقق له ذلك.
المركز الصحفي السوري ـ محار الحسن