تعاني شريحة كبيرة من المعلمين السوريين في تركيا أسوأ الظروف المعيشية، بعد أن تقطّعت بهم السبل للعيش بعد عقد من عملية الغرس التربوي والمعرفي والتراثي لأبناء سوريا الجريحة.
“أبو ثائر” (اسم مستعار) معلم سوري في العقد الرابع من العمر، فضل عدم الكشف عن هويته، من ريف حلب، يصف حاله وعائلته بعد انقطاع الراتب أو المنحة كما يسميها بصوت لا يكاد يسمع، بقوله: “لم أكن أعرف أن مصير المعلمين قد يصبح هكذا، كنت أفضل البقاء في سوريا أمارس التعليم، أو الدخول إلى المدن الكبرى لتعلم مصلحة تقيني وعائلتي الذل والحاجة”.
يستغرب طريقة التعامل التي لم يجد لها تفسيراً مقنعاً من قبل السلطات المعنية ويقول يلقى أذنا صاغية “هل هكذا تكون دوائر الدولة!! ترميك للمجهول، يا أخي نحنا بشر والله العظيم نحنا مو الأسد ولا الشبيحة، ليش عم يعملوا فينا هيك”.
أشار الأستاذ إلى أن حاجات البيت اليوم تحتاج إلى أكثر من عامل في البيت لكي يستطيع دفع إيجارات البيت والفواتير المرتفعة.
بنظرات تعلوها الدهشة والغموض عن المصير الذي آل إليه المعلمون تحدث أبا ثائر عن أحد زملائه “يا للأسف، أصبح يعمل في فرن للخبز ساعات طويلة وأجر لا يصنع طبخة عشاء لأولاده، يخرج منذ الفجر بلباس أبيض كي لا يتضح فيه الطحين ويعود كذلك وكأنه كفن لإنسان مازال حياً”.
يكاد الدمع ينهمر من عينيه اللتين لطالمت كانتا ترمقان الطلاب السوريين بحبّ وحنان الأب وتسهران على نجاحهم ليعودوا بسلاح العلم والأمل لبناء سوريا كما لم تكن من قبل.
يقول أبو ثائر “إن ترك رسالة التعليم والتخلي عن رعاية الطلاب تربوياً وأخلاقياً أمر صعب للغاية وهذا الذي يشق قلبي ويجعله ينزف دماً، حيث لم تعد أيّ مؤسسة تستقبل المعلمين بعد فصلهم، والبحث عن أعمال لم أعملها من قبل تزيد من وطأة الحياة علي”.
يختتم أبا ثائر حديثه “أجبر أولادي من أجل مساعدتي على تأمين لقمة العيش، على ترك المدرسة بعد أن كانوا من المتفوقين ومحوا الأحلام الجميلة الممتزجة برائحة الكتب والمقاعد من مخيلتهم، إلى الواقع البعيد وكأننا نترك الفضاء الرحب الواسع لنعود مرة أخرى إلى قعر بئر لا يُعرف قراره.
يذكر أن المعلمين السوريين مازالوا دون عمل يلائم مكانتهم العلمية وكفاءتهم، بعد قرار بفصل معظمهم قبل نحو 4 أشهر دون أي تعويض عن خدماتهم السابقة.
قصة خبرية بقلم : طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع