ينتظرُ حسين والده ليعودَ من سفرهِ بعد طولِ انتظارٍ وحرقةٍ واشتياق، يسألُ والدتهُ عشرات المراتِ في اليوم “ماما لقد اشتقت لأبي، متى سيعود؟
_ قريباً يا صغيري، لقد اتصل وأخبرني بعودته عما قريب”.
يعاود حسين سؤاله لأمه، “ماذا سيجلب معه من هدايا لي؟
_ سيحضر لك كل ما تحب يا عزيزي، ولعبتك المفضلة على رأس الهدايا”
هكذا كان حسين يقضي وقته بانتظار والده
حسين ذو الخمسة أعوام، كان يعيش وأمهُ بمنزله الواقعِ في ريفِ إدلبَ الجنوبي، بينما والده كان يعمل في لبنان ليستطيع تأمينَ حياةٍ كريمة لذلك الصغير واخوته.
كان حسين كما وصفتهُ والدته طفلاً ذكياً ذا حركةٍ ونشاط، كان مبتسماً طوال الوقت حتى في نومه.
وفي وقتٍ متأخرٍ من نهارٍ صفيٍّ بامتياز، كان الجو يسوده الهدوءُ والصفاء، طلب حسين من والدتهِ اللعبَ في الحارةِ المجاورة، مع أقربائه من الأولاد، ” أخرج يا عزيزي ولكن انتبه لنفسك،”
خرج حسين مبتسماً كعادتهِ ووجههُ مفعماً بالمرحِ والحب، وبدأ يلهو ويلعب مع رفاقه في ذلك الشارع الريفي،
يحكي لرفاقه، “ما هذا الشيء الغريب، إنهُ أشبهُ بكرةٍ حديدية، دعونا نلعب بها”
وحقاً بدأ الصغارُ يلعبون بذلك الجسم الغريب، دون أن يدروا أنهم يلعبون مع “الموت”
بعد ان ملَّ الصغارُ من لعبتهم تلك، اخذ حسين الكرة الصغيرة وبدأ يضربها بقوةٍ على الحائط، وكانت تلك آخر لحظات حياته، حيث انفجرت تلك الكرة، ليرتقي حسين شهيداً، فما كان يلعب ويلهو به “قنبلةٌ عنقودية” من مخلفاتِ القصف السابق لم يكن أحد أنتبه لوجودها سوى حسين الصغير.
اجتمع الناسُ على صوت الانفجار، تقول أم حسين ” عندما سمعتُ صوت التفجير، أحسسن ان شيئاً خرج من قلبي إلى السماء، انهارت أعصابي بسرعه، وبدأت بالبكاء،”
تركض أم حسين للخارج لاستفقاد ولدها الصغير، تقابل أناساً مجتمعين، حاملين الملاكَ الصغير على أكفهم وقادمين باتجاه المنزل، تفقد أم حسين الوعي، لم تكن تستطيع تحمل أن ترى فلذة كبدها وهو على هذه الحال،
“توفي حسين ولم يرى والدهُ المنتظر، ولا لعبته التي كان يحبها وينتظرها أيضاً”
والدهُ أيضاً لم يره ولم يقم بوداعه الأخير، فقد قاموا بدفن الملاك الصغير بسرعه، كان جسده ممزقاً من الشظايا التي تركتها تلك القنبلة اللعينة.
هنا تنتهي حكايةُ حسين، لكن بسمتهُ باقيةٌ في قلوب أمه، تخبرني أمه أنها إلى الآن تسمع ضحكاته في أذنها، وأنها كلما أغمضت عينيها تراه بوجهه البريء وضحكته الفاتنة.
لم يقفِ الحالُ عند حسين، فما حصلَ معهُ يتكررُ باستمرار، كانت أرقامُ الشهداء اللذين ارتقوا بمخلفاتِ الحربِ بازدياد مستمر، فهذه الحربُ تركت الكثيرَ من تلك المخلفات ذات الخطر الكبير على حياةِ السوريين. ومن ذاك المنطلق يجب على فرقِ الدفاعِ المدني تكثيف الجهودِ ومضاعفتها للقضاءِ على تلك المخلفات، وأيضاً نشرُ الوعي وأجبٌ على منظماتِ المتجمع المدني والمدارس ومعلميها والأهل، لتثقيف ذلك الجيل أن اللعب بالأجسام الغريبة في زمن الحرب قد يودي بحياتهم ويكلفهم الكثير، ويبقى لعبهم نظيف بعيداً عن اللعب مع الموت.
إبراهيم الخطيب/ المركز الصحفي السوري