لانا جبر
غابت اللحوم بمختلف أنوعها، عن مائدة الشريحة الأكبر من السوريين، فارتفاع أسعارها بنسب كبيرة خاصة خلال الشهرين الماضيين جعل من هذه المادة الغذائية خارج قدرتهم الشرائية، حيث لجأت معظم الأسر إلى الحبوب والبقول وغيرها من مصادر البروتين النباتي للاستعاضة عن غياب اللحوم.
واعترفت جهات حكومية رسمية مؤخراً، بأن أسعار الفروج ارتفعت بنسبة بلغت حوالي 10% عن أسعارها المرتفعة أصلاً، حيث وصل سعر كيلو الفروج في المحال إلى 650 ليرة سوريا (3$)، في حين أن أسعار شرحات الدجاج وصلت إلى 1200 ل.س، ليتجاوز سعر كيلو دبّوس الفروج الـ 800 ل.س.
أما حال اللحوم الحمراء فليست بأفضل، على اعتبار أن لحم الغنم بات ومنذ أكثر من عام بعيد المنال عن السوريين، حيث تجاوز سعر الكيلو منه 2500 ل.س (12$)، أما َ لحم العجل والذي كان حتى فترة قريبة الخيار الأفضل بالنسبة للمواطنين، زادت أسعاره لتترواح بين 1800 إلى 1900 ل.س.
وأجمع العديد من المواطنين أنَّ البروتين النباتي، كالفول والعدس وغيرها من البقوليات، هو الملاذ الأفضل لهم في هذه الفترة التي وصفوها “بالصعبة”، حيث إنَّ الأجور مازالت تراوح مكانها بينما أسعار المواد الغذائية بشكل عام، واللحوم بشكل خاص ترتفع بين يوم وآخر.
ورأى البعض أنّ شح اللحوم من الأسواق إنما يعتبر سبباً أساسياً في غلاء ثمنها، في حين لم يخفِ آخرون أن انخفاض قيمة الليرة وتدهورها كان له الأثر الأكبر على غلاء الأسعار.
فلتان أسعار
أما بالنسبة للرقابة الغائبة عن أسواق المواد الغذائية بما فيها اللحوم و”الفلتان” الذي تشهده الأسواق، فتعتبره شريحة كبيرة من الناس السبب الأساسي في تحكم أصحاب المحال بالتسعيرة، وفي هذا الإطار نوهت ربة منزل فضلت عدم ذكر اسمها، إلى تفاوت أسعار اللحوم بين محل وآخر وبين منطقة وأخرى، مشيرةً إلى أن الفروج على سبيل المثال يصل أسعار الكيلو منه إلى 750 ل.س، في حين أنَّ لحم العجل أيضاً يرتفع في بعض المناطق عن الـ 2000 ل.س.
وعلى الرغم من أن حكومة النظام السوري أرجعت أسباب ارتفاع أسعار اللحوم، وتذبذبها خلال الشهرين الماضيين إلى عدة ظروف منها المرور بفترة أعياد، ومن ثم قدوم العاصفة الثلجية التي أعاقت وصول المنتجات إلى بعض المناطق، إلا أن خبيراً في المجال الزراعي رأى موضوع ارتفاع أسعار اللحوم إنما يتعلق بشكل مباشر بتدهور الثورة الحيوانية في سوريا بشكل عام، مشيراً إلى أن هذه المشكلة ليست بالمشكلة الحديثة إنما هي مستمرة منذ أكثر من عام، وخاصة بعد اتساع رقعة النزاع في سوريا حتى طالت المناطق التي يقوم سكانها بتربية الماشية (الأرياف) بشكل عام.
وتابع الخبير إنه لطالما طالب المربون منذ أكثر من عام الجهات الحكومية مساعدتهم ودعمهم من أجل استمراهم بالتربية، على اعتبار أن كلف الإنتاج بالمتمثلة بالمحروقات وعلف الحيوانات والنقل وغيرها باتت مرتفعة الأسعار جداً عليهم.
وبيَّن المصدر أن نسبة كبيرة من مربي الدواجن وباعتراف مصادر رسمية عزفوا عن العمل، وأغلقوا مداجنهم بسبب صعوبة الانتاج وهو ما رفع أسعار لحم الفروج ومشتقاتها من البيض في فترة من الفترات، حيث قدّر المصدر نسبة من عزفوا عن العمل بـما لايقل عن 40%، وهو ماترافق مع غياب دور الجهات الحكومية في تأمين المحروقات للمداجن على أقل تقدير أو دعم أسعارها، بالإضافة إلى عدم دعم أسعار العلف المستورد في معظمه والذي ارتفع ثمنه عدة أضعاف نتيجة ارتفاع سعر الدولار.
في حين أنّ مربي المواشي ليسوا بأفضل حال، كما تابع الخبير، حيث إنَّ أعداد الماشية في سوريا انخفضت بشكل كبير، وهو ما يتزامن مع تذبذب في القرارات الحكومية بمنع تصديرها أو السماح به، مبيناً أن غلاء العلف المستورد، واضطرار المربين لشرائه من السوق السوداء بأسعار مرتفعة أدى أيضاً إلى ارتفاع أسعار اللحوم.
كما نوّه الخبير الزراعي إلى مشكلة أخرى تلاحق الثروة الحيوانية السورية وتتمثل بتهريبها، حيث تهرَّب الأبقاء خاصة والأغنام بأعداد كبيرة إلى دول الجوار وخاصة لبنان حيث تباع هناك بأسعار أعلى من أسعارها في سوريا، وهو مايتزامن مع تغاضي الحكومة عن عمليات التهريب حسب ما وصف المصدر.
وتمتلك الجزيرة السورية وأرياف مدينة دمشق النسبة الأكبر من الثروة الحيوانية السورية كما أوضح الخبير حيث نفقت أجزاء كبيرة منها جراء القصف أو الحصار المطبق في بعض المناطق من قبل القوات السورية التابعة للنظام، كما أن انخفاض أعدادها جعل المربين يعتمدون إلى ذبح الإناث منها أو العجول الصغيرة، وهو ما أثر على أعدادها أيضاً، وما فتح الباب أمام قرارات حكومية “عشوائية” بالسماح باستيراد اللحوم من الدول الحليفة لها والتي غزت الأسواق مؤخراً.
زيادة أسعار مرتقبة
أمام القرار الجديد القاضي برفع أسعر المازوت والغاز والخبز، من المرتقب في السوق السورية زيادة جديدة في أسعار اللحوم، التي قد تجاوز نسبتها نسبة ارتفاع المحروقات، وهو ما يبعد مادة اللحوم عن مائدة المواطن مسافةً أكبر، كما إن رفع رواتب الموظفين بمبلغ 4000 ليرة منذ يومين قد لا يؤمن للمواطن أكثر من كيلو واحد من اللحم الأحمر، مع العلم أن الموظفين قد لا يستغلون هذه الزيادة الطفيفة في شراء اللحوم أمام الأسعار الجنونية التي تشهدها الأسواق، وقد لا تكون تلك الزيادة التي تساوي 20 دولاراً أمريكياً قادرة على مجرد لفت أنظار المواطنين إلى محلات القصابة.
المصدر: الحل السوري