تميزت العلاقة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونجوم الكوميديا في الولايات المتحدة الأميركية بالعدائية، منذ توليه منصبه رسمياً في يناير/كانون الثاني الماضي.
وعلى الرغم من خوف أبداه بعضهم إزاء العلاقة العدائية والمتوترة، فمن الواضح أن الكوميديا الأميركية برزت كنوع من المقاومة في مرحلة فوضوية تعيشها البلاد، وتحوّل روادها إلى جيش من الكوميديين في وجه رئيسهم.
الخلافات مستمرة، والتوتر عنوان المرحلة، لكن الكوميديا الأميركية أبرز المستفيدين والمحظوظين، فترامب “يسهل” هذه الصناعة، إذ يكاد لا يمر يوم من دون إدلائه برأي مثير للجدل، أو كتابته تغريدة غير متوقعة، لتتشكل بذلك مادة قابلة للضحك والسخرية، من دون فقدان حسّ الانتقاد والتصويب.
إذ لا تقتصر مهمة الكوميديا على السخرية، كما لو أنها مادة للتسلية وتعبئة هواء التلفزيونات بالكلام أو الاكتفاء بتقديم “ما يطلبه المشاهدون”، بل تمارس مهمتها في صناعة الرأي العام وتصويبه، وإعادته إلى “المسار الصحيح” في حال شذّ عنه.
قد يعدّ تصرف الكوميدية، كاثي غريفين، أخيراً مبالغاً فيه، لكنه بشكل من الأشكال يعكس ثقافة الولايات المتحدة الأميركية، ويسلّط الضوء على حق الكوميديين في “تخطي الحدود” إذا لزم الأمر، فلا خوف عليهم من الملاحقة القانونية، طالما لم يخالفوا القوانين، ولا خوف عليهم أيضاً من الاعتقال أو مصادرة حقهم في تقديم البرامج أو التعبير عن رأيهم، لدرجة قد تدفعهم إلى مغادرة البلاد كلها أصلاً.
في التفاصيل؛ ظهرت غريفين في إحدى جلسات التصوير ممسكة برأس مدمى يشبه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مما عرضها لحملة انتقادات واسعة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، واتهامها بـ “التشجيع على ممارسة العنف ضدّ الرئيس الأميركي”، لتعتذر غريفين لاحقاً وتسحب الصور، معترفة أنها “تخطت الحدود، والمزحة لم تكن مضحكة”.
وبعيداً عن تقييم مدى خفة دم ما قامت غريفين من عدمه، الناشطون هاجموا الكوميديان لأنها اتبعت أسلوباً “عنيفاً” في التعبير عن رأيها ومعارضتها رئيسها، وليس لأنها هاجمته أو انتقدته أصلاً.
وفي حال اعتبار موقف غريفين المذكور “غير موفق”، فما يحصل في برامج أخرى يدعو إلى التفاؤل، ويعطي دروساً في أن ما يوجع السلطة، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في بلداننا العربية، لا يحتاج إلى العنف، بل إن السخرية satire سلاح فعّال في وجه المسؤولين، والكلمة لا تزال تفعل فعلها.
إذ أعاد عهد ترامب مقدّم برنامج “ذا لايت شو”، ستيفن كولبير، مثلاً إلى الأضواء. وبرز كولبير كأحد أهم المعارضين للإدارة الأميركية الحالية، متبعاً استراتيجية التصريح السياسي المباشر، ومعلناً عن انحيازه ضد ترامب من دون مسايرة، ومجملاً لذاعته هذه بالضحك.
لكن الممثل أليك بالدوين يصح اعتباره زعيماً للكوميديين الأميركيين في عهد ترامب؛ في برنامجه “ساترداي نايت لايف” SNL، يؤدي بالدوين شخصية ترامب منذ ترشحه للرئاسة، ويثير جدلاً كبيراً في كلّ مرة، ولم يُعرف مدى استعداده للاستمرار في تأدية هذا الدور بعد انتهاء الموسم في مايو/أيار الحالي.
يعيد بالدوين، ومن دون مبالغة، النظر في دور الكوميديا والسياسة في الولايات المتحدة الأميركية اليوم.
إذ اعتاد الأميركيون على قدرة رؤسائهم على الضحك والسخرية وتقبل النقد، إلى أن جاء ترامب، وقلب الموازين كلها. انتقد الرئيس الأميركي بالدوين أكثر من مرة، ووصفه بـ “الممثل السيئ” ودعا إلى إيقاف البرنامج “الممل” مرات عدة على “تويتر”.
لكن بالدوين لم يتوقف، وحققت بعض فيديوهاته على موقع “يوتيوب” أكثر من عشرين مليون مشاهدة، وحاز برنامجه “ساترداي نايت لايف” النسبة الأكبر من المشاهدين، منذ عام 1998. مشاهدو بالدوين شكلوا نوعاً من المقاومة المؤقتة، والتفوا حول الممثل، لأنه “يرى ترامب مثلهم”، وهذا كافٍ، لبناء علاقة متينة بين المشاهد والكوميديان؛ مشاركة الرأي نفسه حول السلطة.
وعبّر بالدوين بنفسه عن رأيه في تجسيده دور ترامب، قائلاً، إن شخصيته هذه تعيش بالتوازي مع شيء آخر “مؤسف”، لكنه شدّد “لم أفكر فعلاً أننا سنصل إلى هذا الحد، لكن علينا خلق هذا النوع من الصدمات الدورية للنظام (سيستم)، كي يتذكر المواطنون مجدداً دورهم في هذه العملية”، في مقابلة مطولة له مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية في أبريل/مايو الماضي.
العربي الجديد