تمكّنت قوات النظام السوري من السيطرة على معظم القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية، الذي يشمل عشر بلدات، مع انشغال فصائل المعارضة الرئيسية بالقتال وحرب البيانات، والبيانات المضادة في ما بينها، وسط حركة نزوح واسعة للأهالي من المنطقة. وبذلك، تكون الغوطة الشرقية قد خسرت سلة الغذاء التي كانت سندها الأساسي خلال فترة حصارها في السنوات الماضية. ويقول ناشطون ميدانيون إن قوات النظام والقوات المقاتلة إلى جانبها، وخصوصاً حزب الله، سيطرت على معظم القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية، وذلك بعد ساعات من سقوط بلدة بزينة الاستراتيجية.
ويشمل القطاع الجنوبي بلدات دير العصافير، وزبدين، ونولة، وبزينة، وحرستا القنطرة، وحوش الحمصي، وحوش الدوير، وبالا، والركابية، والبياض، ويضم نحو 2800 عائلة. وشهدت المنطقة حركة نزوح كبيرة باتجاه عمق الغوطة الشرقية، حيث يفترش النازحون شوارع بلدات كفربطنا، وسقبا، وحمورية، بينما نُصبت خيم للنازحين في بلدة الأشعري التي تشهد اقتتالاً بين “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”. ويؤكد بعض الناشطين الميدانيين أنّ قوات النظام استفادت من الاقتتال الدائر بين “جيش الإسلام” من جهة و”فيلق الرحمن” و”جيش الفسطاط” من جهة أخرى، الذي اندلع أواخر أبريل/نيسان الماضي، وقُتل خلاله أكثر من 500 مقاتل من كلا الجانبَين، فضلاً عن مئات الأسرى والجرحى.
في هذا السياق، يشكك الناشط الميداني براء عبد الرحمن، الموجود في منطقة دوما، في حديث مع”العربي الجديد”، بجدية الفصائل المتقاتلة في المصالحة والتصدي لقوات النظام، متهماً جميع الفصائل بالتهاون في حماية الغوطة وعدم إرسال تعزيزات لوقف هجمات النظام هناك، بسبب انشغالها بالتحشيد لقتال بعضها البعض، على حد قوله. وسبق سقوط القطاع الجنوبي حرب بيانات بين “جيش الإسلام” وتحالف “فيلق الرحمن” و”جيش الفسطاط”، إلى جانب عدد كبير من المبادرات، التي دعت إلى التهدئة ووقف الاقتتال، والتي لم تمنع تواصل الاشتباكات بينهما. وكانت آخر مبادرة تلك التي أطلقها المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، قبل أيام، وذلك بعد اجتماعه مع ممثلين عن “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” في العاصمة القطرية الدوحة، للتوصل إلى اتفاق يقضي بإيقاف الاقتتال الحاصل بين الفصائل في الغوطة. وتنص مبادرة حجاب على إيقاف إطلاق النار بشكل فوري، وإعادة المقرات التي سيطر عليها كل فصيل من الآخر في مدة لا تتجاوز شهرين.
أما المتحدث باسم المكتب الإعلامي لقوى الثورة في دمشق وريفها، الناشط يوسف البستاني، فيشير في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “الأهالي نزحوا من بلدتَي دير العصافير وبزينة، مما يؤكد سيطرة قوات النظام عليهما على الرغم من نفي فيلق الرحمن الموجود في المنطقة هذا الأمر”. ويلفت البستاني إلى أنّ “فيلق الرحمن أرسل، أمس الخميس، تعزيزات إلى المنطقة، لكنه لا يزال يمنع وصول مؤازرات من جيش الإسلام”. ويؤكد البستاني أن القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية سقط بكامله في يد قوات النظام، إذ يتعرض، منذ صباح أمس الخميس، “لقصف هستيري” من جانب قوات النظام، مشيراً إلى أن هذا القطاع يمثّل خط دفاع هام عن البلدات والمدن في قلب الغوطة، ويعتبر سلة زراعية هامة للغوطة.
من جانبه، علّق فصيل “فيلق الرحمن” على صفحته عبر موقع “تويتر” على التطورات قائلاً إنّه “لا يزال مرابطاً في بلدة زبدين، وأطراف بلدة دير العصافير، وبلدة بالا، وحرستا القنطرة”، مشيراً إلى أن النظام يشنّ حملة هي الأعنف على هذه المناطق، تخلّلتها عشرات الغارات الجوية.
على صعيد متصل، قال المتحدث باسم “فيلق الرحمن”، وائل علوان، في تغريدة له على موقع “تويتر”، إن “جيش الإسلام وافق على وقف الاقتتال في الغوطة وحقن الدماء”، مؤكداً استعداد “فيلق الرحمن للاجتماع فوراً مع ممثلين عن جيش الإسلام لحل كل الخلافات بين الجانبين”. كما قال المتحدث باسم “جيش الإسلام”، النقيب إسلام علوش، في تغريدة مماثلة إن “جيش الإسلام، ورغبة منه في حقن الدماء وتوجيه البنادق إلى مقاتلة قوات النظام، يدعو الأخوة في فيلق الرحمن وجيش الفسطاط إلى اللقاء على الأرض فوراً لحل جميع الخلافات”. غير أن الناشط يوسف البستاني يؤكد أنّ “الاشتباكات تجددت بين الطرفين في منطقة الأشعري بالغوطة الشرقية، أمس الخميس”.
وفي الغوطة الغربية، تتواصل الاشتباكات العنيفة بين قوات النظام وفصائل المعارضة في محيط مخيم خان الشيح، وقد أسفرت عن تراجع قوات النظام في نقاط عدة. وأعلنت مجموعة من فصائل المعارضة في خان الشيح، أمس الخميس، عن بدء معركة “عصف الريح” في مثلث الموت الذي يربط أرياف دمشق، ودرعا، والقنيطرة، رداً على استهداف النظام لمدن داريا، والمعضمية، وخان الشيح. ورداً على الخلافات بين الفصائل الرئيسية في الغوطة، أعلنت بعض القوى التي تضم شخصيات عسكرية منشقة عن النظام السوري تشكيل “تجمع رجال المرج والقطاع الجنوبي”، بقيادة العميد الطبيب، معتز حتيتاني، وضباط محترفين منهم؛ العقيد أبو العلا، والمقدم أبو فراس، والمقدم أبو جهاد، وغيرهم من الضباط لـ”تصحيح مسار العمل الجهادي وتوجيهه إلى نقاط التماس في قطاعنا مع النظام، والنأي بأبنائنا عن الاقتتال الداخلي”، بحسب ما جاء في فيديو مصوّر لإعلان التجمع.
وتدور اشتباكات عنيفة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في المنطقة، خصوصاً في جبهة تل غرين بريف دمشق، كما تم تدمير مدفع رشاش لقوات النظام في رحبة سعسع على جبهة طريق القنيطرة القديم. وعمد النظام إلى سحب بعض قواته من جبهة خان الشيح إلى جبهة مثلث الموت، كما استنفرت عناصره تحت جسر القليعة بجوار اللواء 121 في كناكر لمؤازرة قوات النظام في مثلث الموت.
العربي الجديد