منذ بدء أول صرخة عالية تتحدى الأسد وآلته الحربية، لم يفتأ الدم السوري بالنزيف مع تعدد الجاني، لم ينعم السوريون في مناطق النظام أو المحرر، وكذلك في مناطق سيطرة القوات الديمقراطية بالأمان على أرواحهم، حفظ النفس الذي يعتبر في شريعة الإسلام من الضروريات الخمس التي نادت بها الشريعة الإسلامية وسعت لحفظها وهي ” الدِّين، والنَّفس، والمال، والعِرض، والعقل” ، فجاء حفظ النفس في مرحلة تلي حفظ الدين .
تنوعت أماكن القتل والاختطاف وأزمنتها ودواعيها، إلا أن المستهدف هو عينه، السوري، والسوري فقط، من ريف دمشق ومن بلدة السبينة تحديداً، مجهولون يختطفون شابين لأسباب مجهولة، إلا أن الواضح هو مرحلة التوحش وانعدام الأمان.
كما اختطفت امرأة في الطريق، بسيارة يستقلها مجهولون، ليسرقوا منها ذهبها، ثم تترك طليقة خسرت ذهبها، والأهم خسرانها لأي فكرة عن الأمان واحترام الإنسان، لتترك بلا متابعة ولا تحري للجاني .
شريك يرمي بشريكه في العمل من الطابق الخامس في بلدة يلدا في ريف دمشق، بعد خلاف حول تقسيم أرباح مالية، كانت لديه أعظم وأهم من حياة إنسان، كرمته الشريعة وحفظت له دمه وحقوقه .
وصل الأمر حد خطف النساء واغتصابهن وقتلهن، وكأن الإنسان فقد إنسانيته، حتى مع أقرب الناس إليه، حتى قربة الدم لم تشفع لمغتصب شقيقته وقاتلها في بلدة الذيابية جنوب دمشق، ولم تشفع كرامة الانسان وشرفه من أن يقدم شخصان في بيت سحم على اغتصاب امرأة وقتلها، مع أطفالها الثلاثة ذبحا بالسكين ، طعن زوجها وحرق المنزل وسرق ماله، لتذبح تلك السكين، معها رحمة أولئك على عتبة الإنسانية و تذبح الأمان في ظل حكومة الغابة الأسدية .
بات الناس يراقبون الصمت المطبق في الخارج والذي لا يقطعه إلا أخبار الفواجع والاختطاف رغم تأكيدات من وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري بأن ما يتم تداوله عن حالات خطف هي مجرد إشاعات .
في إحصائية لعدد المخطوفين في محافظة السويداء نشرت في حزيران، وثقت اختطاف 8 أشخاص وسط سلطة تسهر على قتل الشعب المطالب بالحرية، وتغفل عن حماية وتأمين الأمن والسلامة لمواليها .
لم تكن درعا ذات حظ أوفر من جارتها السويداء، فاختلال المنظومة الأمنية والأخلاقية حاضرة بقوة في خطف الشابات والأطفال، ففي 18 حزيران تم اختطاف طالبة من إزرع قرب دوار خربة غزالة، حيث ركبت سيارة أجرة، لتنقطع أخبارها، وتعيش العائلة حالة هستيرية تزيد الجراح ألماً وغماً وقهراً، في حين يكتب لفتاتين جامعيتين السعادة من جديد بعد سلامتهما من محاولة اختطاف من قبل شابين يستقلان سيارة، كما نجا طفل من عصابة خطف في مدينة طفس وهرب، عند دوار الشجرة، لتتزايد حالات الخطف لضحايا لم يعلم مصريهم بعد .
فيما تحاول وسائل إعلام النظام وعلى لسان السرحان لإحدى الإذاعات السورية تكذيب هذه الأخبار، على أنها إشاعات، ربما لتحسين الصورة المتردية للحالة الأمنية والفلتان الأخلاقي الذي
يواجهه الشعب هناك، لتظهر فتاة في نفس الإذاعة لتخبر أنها تعرضت لحالة خطف بعد صعودها سيارة أجرة، فقد روت أنها وجدت سيدتين في السيارة، وعندما شعرت بالخوف حاولت فتح الباب والهرب لتنزل، إلا أن المرأتين أمسكتا بها جيدا، إلا أنها تمكنت من النجاة بأعجوبة والهرب .
كما تحدثت عن حالة مشابهة حصلت مع صديقة لها في سيارة أجرة، وتمكنت صديقتها من النزول من السيارة بعد أن ضربت السائق بحقيبتها.
الوضع في إدلب ليس أحسن حالاً، فقد جرت فيها الكثير من حالات القتل الغامض والاختطاف السري دونما معرفة الجاني، وهذا محمد بعد رحلة نزوح من سهل الغاب يفقد أخاه، ليعلم فيما بعد بوجوده بفرع أمني ليتعرض للتعذيب .
في حادثة متشابهة، يفقد محمد أخاه الكبير، الذي تنقل بين قرى بليون وكفرحايا وكفر زريبا والرامي، ثم علم باختطافه تعسفياً، حاول إخراجه من السجن، لكن المنطقة قصفت، ثم بعد مدة رأى صورته في وسائل التواصل، وإذ به أخوه، قتل تحت التعذيب .
هذه ليست قصة فريدة في المحافظة، فبعض الجثث يجدها السكان ويجري التعرف إليها، لكن كثيرًا منها تبقى مجهولة الهوية، كجثة لطفلة في منتصف العقد الثاني من العمر، وجدت بالقرب من جامع “الرحمن” في مدينة إدلب، بعد مضي 15 يومًا على قتلها خنقًا، ولم يجرِ التعرف إليها، وجثة شاب في العقد الثالث من العمر سبب وفاته ارتطام الرأس بجسم صلب، وغيرها من الحالات التي توثقها الطبابة الشرعية في مديرية صحة إدلب .
تتنوع أسباب الوفاة بين القتل بالرصاص والتعذيب حتى الموت أو بشظايا انفجار أو سقوط أو حوادث سير، ولكن أكبر نسبة تصل إلى المشفى هي إثر التفجيرات أو الرمي بالرصاص بنسبة 60%، وحوادث السير بنسبة 15%، أما نسبة حالات الموت بأسباب طبيعية فهي 5%، بينما توجد حالات لفقد الأعضاء كحالات بتر أطراف، و يجري التعرف إلى الجثث غالبًا من قبل الأهالي عن طريق رؤية الجثة على وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات التي تتناقل هذه الأخبار .
في أيار الماضي 287 جثة تعرف ذووها إليها، و 28 بقيت مجهولة، بينما كانت حصيلة حزيران الماضي 113 جثة معلومة، و67 جثة مجهولة الهوية.
كشف تقرير مكتب التوثيق للمفقودين بإدلب الحالات منذ بداية العام الحالي، وأوضح أن عدد المفقودين الكلي المسجَّلين 447 مفقودًا، بينهم 335 رجلًا، و38 امرأة، و54 طفلًا، والذين عادوا منهم منذ بداية العام الحالي إلى لحظة تحرير هذا التقرير 199 مفقودًا، منهم 156 رجلًا، و21 امرأة، و22 طفلًا .
وأما الجثث المجهولة الهوية التي وصلت إلى مكتب التوثيق عبر الطبابة الشرعية، فعددها الكلي 24 جثة، تعود لـ16 رجلًا، وأربع نساء، وأربعة أطفال، و يوجد في الشمال الغربي من سوريا ما يقارب 4.1 مليون شخص، و2.7 مليون نازحون داخليًا، بحسب أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) .
تركزت 50% من حالات فقدان الأشخاص في مخيمات الشمال السوري (مخيمات أطمة، دير حسان، قاح، حربنوش، سرمدا)، بحسب مكتب توثيق المفقودين، أما في إدلب وريفها الشمالي بشكل عام (إدلب المدينة، مدينة سرمدا، مدينة الدانا، حارم، سلقين، دركوش، كفرتخاريم) فكانت النسبة تقارب 35%، وتليها مناطق عفرين و أعزاز وجنديرس بنسبة 15%.
وهكذا ، لم تنته سيول الدم الجارية من أجساد السوريين، وكأن السماء تشتاق لهم فتأخذهم
من ظلم الأرض وغطرسة الطغاة والمجرمين. العزيمة كما يبدو لا تزال تأخذ ضوءها من تلكم الأرواح المغدورة لمحاربة الظلم، وإرجاع الياسمين لتنشر ريحها الزكي فواحة على قبور الشهداء
،لتكون منارة تضيء درب الحرية وشعلة ليرى الجيل القادم بوضوح ، الدرب المنشود.
المركز الصحفي السوري _ محمد إسماعيل