يقضي أبو فرح ( اسم مستعار ) يومه في شوارع الدار البيضاء المزدحمة بسيارته التي أرهقتها الطرقات، يعمل بها كسائق تكسي يجني منها قوت يومه، هو أب لثلاثة بنات يعيش مع أسرته الصغيرة في سعادة وهناء، يجاوره أحد الأغنياء أب لعمر (اسم مستعار ) الابن المدلل المعروف في الحي بثرائه الفاحش، يبدو ذلك من خلال سياراته ودرجاته النارية المختلفة التي يستقلها كل نهار، يجوب بها أحياء المدينة لا لشيء إلا لأذية الناس والاستهزاء ممن هم دونه متهرباً دوما من أخطائه الفادحة المتكررة بنقوده، حتى أصبح يعتقد أن كل مشاكله يستطيع حلها بتلك النقود.
وبينما هو خارج كعادته صادف بنت سائق التكسي جاره البسيط، فرماها بكلماته الدونية للتحرش بها كما اعتاد، لكن الفتاة استمرت في طريقها ولم تعره أي اهتمام، ما اعتبره استفزازاً لشخصه وهو من لا يرد في وجهه طلب، عادت فرح للمنزل في المساء وأخبرت أبويها بالحادث، أثار ذلك غضب الأب ما دفعه للذهاب الى الجار يحذره ويقول “جئت أحذرك من ابنك، إنه يريد أذية ابنتي التي ربيتها على سمو الأخلاق وليست كأولئك اللواتي اعتاد ابنك مرافقتهن، فرجاءً خذ حذرك “، أجابه الجار ” لم يفعل لها شيئاً، لا تضخم الموضوع “، أردف الأب قائلا ” فقط أخبرتك لأن المرة الثانية لن أخبرك “، أجاب الجار “سأفعل ذلك”.
مرت أيام قليلة عن هذا الحوار، ليكرر الابن نفس الفعل، لم يبتعد عن الابنة، وعادت أذيته لها كثيرة ومتكررة وصل به الأمر لاختطافها؛ اختطفها بالقوة ورمى بها في سيارته ولم يلقي بالاً لصرخاتها وتوسلها له أن يتركها، قام بتعنيفها واغتصابها بوحشية تامة، وعادت الابنة منكسرة لبيتها؛ دموع تشق خديها، شعرها المنكوش، وملابسها الملطخة بالدماء والممزقة، انصدم الأهل بمظهرها وانهالوا عليها بالأسئلة أخبرت أسرتها بما حدث وهي تكاد تختنق بالبكاء، غضب الأب غضباً شديداً، وحمل ابنته للمستشفى، ثم طلب منهم شهادة طبية وتوجه مباشرة لدائرة الشرطة ثم رفع شكاية في وجه المغتصب آملاً استرداد حق ابنته.
عاد الأب للمنزل بعد يوم شاق، وما إن وصل حتى جاء جاره الثري يطلب مساواة الأمر دون تدخل الشرطة حتى وصل به الأمر لعرض نقود عليه ليتنازل عن الدعوى، اشتد غضب الأب، وهم بطرد الجار مخبراً إياه أن المحكمة هي من ستحل الأمر.
أرسلت الشرطة للغني دعوة الحضور للدائرة، لكن الابن كان مسافراً، وعادت الكرة مرارا إلى أن جاء مع أبيه، وأخبرهم الأب أن الابن كان مسافرا والآن عاد ولا يعلمون ما المشكلة ؟؟ ردت الشرطة على الأب بالتهم الموجهة ضد ابنه، فرفض الابن التهم المنسوبة إليه واعتبر ذلك كذباً وأكّد على أن فرح تلك كانت صديقته وأنها رافقته أياماً وشهوراً، وطلبت الشرطة دليلاً يؤكد أقاويله، فجاء ببعض الشهود من سكان الحي الفقراء الذين اشترى ضمائرهم بمبلغ من المال، مقابل أن يؤكدوا قوله، ولم يدركوا فظاعة ما أقبلوا عليه دينياً ودنيوياً.
انهارت أسرة فرح لذلك وانقلبت سعادتهم شقاءً، فها هو الأب فقد ثقته بابنته قائلاً “لم كذبت علي، لقد خنت ثقتي وأنا الذي لم اسمح لشيء أن يؤذيك!!، قالت فرح بوجه ذابل منطفئ “لا تصدق يا أبي، أقسم أنهم يكذبون”، رفض الأب التحدث مع ابنته وعاد يتجاهل الاصطدام بالجيران، فقد كثرت الإشاعات حول فرح المسكينة، وأصبحت هي المذنبة، يقول الأب “لم أعد أستطيع العمل في المحطة السابقة، فأصابع الاتهام موجهة إلي، رحت أعمل بعيدا عن حينا وأعود آخر الليل حتى لا أرى أحداً منهم”.
حصل المغتصب على البراءة، وعاد مفتخراً بأفعاله المشينة، أما فرح فقد ساء حالها ولم تعد تقوى على الخروج من بيتها بعد كل ما حدث، اكتشف أبو فرح أن ابنته كانت ضحية لمغتصب حقير وشهود رخيصي الثمن، فأخذ سلاحه وخرج يبحث عن المغتصب، وعندما وجده لم يتوانَ عن التصويب نحوه برصاصتين أردتاه قتيلاً ..
بقلم : صليحة اضبيّب