“بعد وصولي الأراضي التركية ضمن رحلة التعب و الإرهاق، داهم “الجندرما ” المنزل وأعادوني إلى سوريا بعد أن أبلغ المهرب عني” تلك كلمات “عبد الرحمن” أحد الفارين من جحيم الحرب إلى تركيا.
مع ازدياد وتيرة العنف في الداخل السوري وندرة فرص العمل اضطر الناس إلى الهروب لتركيا ضمن رحلة محفوفة بالمخاطر بالإضافة إلى كذب المهربين وخداعهم.
“مريم الأحمد” (23عاما) تحدثت معنا عن معاناتها بحرقة وعصبية قائلة “كنا ممن خرج في الباصات الخضراء إلى الشمال السوري رغما عنا وطلبا لحياة أفضل، بقينا فترة في ادلب لا نريد الذهاب خارج سوريا ولكن قلة فرص العمل جعلتنا نقرر الذهاب إلى تركيا، اتفق زوجي مع أحد المهربين الذي قال لنا أن رحلتنا لن تستغرق اكثر من 6 ساعات متخللة فترات استراحة، وأخذ منا على الشخص الواحد 500دولار، حملت طفلي البالغ (5 أيام) وحقيبة ملابس، وزوجي بالمقابل حمل ابنتنا “حلا” عامان، و حقيبة ملابس، خرجنا الساعة 1 ضهراً، و بدأ المسير في جو بارد وماطر وأرض موحلة، حضنت طفلي بشدة خوفا عليه من البرد القارس وقمت بإلقاء الحقيبة لأخفف ثقلا على نفسي، وزوجي يمسك بيدي ليساعدني على المشي فلم يمضي على ولادتي سوى خمسة أيام”.
تتابع حديثها والدموع تنهمر من عينيها “بعد مضي ست ساعات قمنا بسؤال المهرب عن الوقت المتبقي فأجاب “لسا قد يلي مشيناه” صدمت فقد كانت الوعود غير ذلك و لم نسترح أيضاً، كنا مجموعتين وأغلبنا نساء وأطفال، ملأ الوحل أقدامنا وتسلل الصقيع إلى أجسادنا، وتمكن الجوع منا، أصبحنا في حالة يرثى لها و مع ذلك لا خيار لنا سوى المتابعة تشرد بفكرها برهة وكأنها تسترجع ما حدث معها قبل”.
مضيفة “قعدنا شي ربع ساعة بس لنرتاح شوي، حضنت ابني وأنا عم ابكي كان لون انفو أحمر من كتر البرد وبلش يسعل ما عرفت شو بدي ساوي قلبي صار عم يغلي عليه، شو ذنبو ابن 5 أيام بهي الرحلة و هل برد كنت رح جن بس مو طالع بأيدي شي غير البكاء”.
“كنت ضمن المجموعة الأولى وعند وصولنا إلى نقطة الحدود كان علينا الركض بسرعة دون الالتفات، ركضنا و ركضنا و نحن نسمع أصوات الرصاص تطلق على المجموعة الثانية فقد اكتشف “الجندرما” أمرهم ،إلى أن عبرنا الحدود و كانت سيارة مهرب آخر بانتظارنا لتقلنا إلى وجهتنا، فقد كانت سياستهم في التهريب جلب مجموعتين لتنفد واحدة بينما تنمسك الأخرى كتمويه عن المجموعة الأولى والحمد لله كان نصيبنا من المجموعة التي وصلت وعرفنا لاحقاً أن شابا من المجموعة الثانية استشهد برصاص “الجندرما”.
“عبد الرحمن” (30عاما) يقص لنا معاناته مع المهربين قائلاً “خرجت مع زوجتي وأطفالي الثلاثة ضمن مجموعة كبيرة من الناس مع المهرب، بعد دفعنا 450 دولار على الشخص مع اعتبار الاطفال الثلاثة بقيمة شخص واحد، بدأنا المسير وكان الجو مقبولا، وفي منتصف الطريق وقف المهرب وطلب منا 100 دولار إضافية على الشخص من كل الموجودين وإلا سيتركنا في مكاننا، صدمنا و قلنا له لم يكن هذا هو الاتفاق، ردد قائلاً “هذا الموجود لي ما عجبو يرجع “، لم يكن لدينا سوى أن ندفع ما طلب، دفعوا ولكن لم يكن لدي ما يكفي فقلت له عند وصولي سأعطيك ما يتوجب عليي، وافق عل مضد و تابعنا، بعد 9 ساعات على مسيرنا وصلنا، وضعني في منزل لحين دفع المبلغ، تأخرت ولم يتأمن معي ما طلب، فأخبرته بأني لن اقدر على الدفع، تمم ببعض الكلمات غير المفهومة وذهب، بعد خروجه بنحو ساعتين وجدت “الجندرما” تطرق الباب لتعيدنا إلى الأراضي السورية، يتابع بعد احمرار وجهه و تلعثم في كلماته ورجفة في شفاهه ” راح بلغ عنا كلو لأن ما قدرنا ندفع ونرضى بإبتزازه كون الاتفاق ما كان هيك، أخدونا أنا وعيلتي ورجعونا من مكان ما جينا، و راح كل تعبنا عل فاضي، و يختم بقوله (الله لا يسامحو, ليش هيك ساوى فينا)”.
و يبقى الأبناء بين جحيم العيش في القصف و الموت أو خداع المهربين و نفاقهم ووعودهم المعسولة للانتقال إلى حياة أفضل ،تلك معاناة ليست الوحيدة في ظل الصراع في سوريا.
المركز الصحفي السوري-حنين حمادة.