في ظل التطورات الحاصلة في كافة المجالات، كان لابد لمصادر الطاقة أن تتحدث، فدخلت المدافئ الحديثة بأشكال عدة، واستغنى الناس عن أشكال التدفئة التقليدية، كاستعمال مدافئ الحطب.
إلا أنه بعد ثلاثة أعوام من بدء الثورة، انتشر الغلاء بالأسواق وعلى كافة السلع، خاصة المحروقات التي تأثرت بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت من قبل الاتحاد الأوربي والدول العربية على اقتصاد سوريا في أواخر أغسطس 2011، مما أثر على معيشة الفرد السوري الذي لا يتناسب دخله مع دخله، مما اضطر الشعب السوري لاستبدال المدافئ الحديثة المعتمدة على المازوت – بسبب غلاء هذه المادة بشكل عام في كل المحافظات السورية عما كان عليه سابقا وانقطاع التيار الكهربائي الطويل – بموارد طاقة بديلة أرخص نسبياً، ألا وهي مادة “العرجوم الأسود”، تعددت أسماؤها من محافظة لأخرى، ففي إدلب تسمى البيرين، بينما اللاذقية الدق، وجبلة يسمونه التمز، أيضا يطلق عليه الجفت والفيتورا.
إن فائدة الزيتون ليست بثماره وزيته فقط بل حتى تفله(عجوته)، تصنع وتتحول إلى العرجوم، الذي يعود بالربح الوفير على بائعه، “خليل دعبول” صاحب أحد معامل العرجوم في محافظة اللاذقية يتحدث عن كيفية استخراجه فيقول:” كان أبي وجدي يعملان بهذه المهنة منذ أيام الاحتلال الفرنسي، وتاريخها بعائلتنا يعود إلى عام 1935، حيث افتتحنا مصنعنا الجديد عند مدخل مدينة اللاذقية الشمالي، أيضا توجد معامل لتصنيعه بمدينة عفرين بريف حلب الشمالي، وبريف إدلب”.
يتابع مفصلا آلية العمل ” أما طريقة تصنيع العرجوم تأتي أولا بعجوة الزيتون من معاصر الزيتون، وفي الماضي كانوا يطحنون عجوة الزيتون ويكبسونها في آلة تشبه مكبس السيارة فينتج عن ذلك مزيج من الزيت والماء ومن ثم يذهب إلى “الفرازة”، لفرز الزيت عن الماء وبقايا العجوة، أما المعاصر الحديثة التي نتعامل معها الآن، فتطحن “عجوة الزيتون” بشكل ناعم جداً مضيفة إليها الماء الساخن ليدخل باسطوانات شبيهة بـ”محمصة القهوة”، فتدور الاسطوانات حوالي /3800/ دورة في الدقيقة الواحدة وهذه العملية تسمى عملية “الطرد المركزي” فيطرد مزيج الزيت إلى “الفرازات” وعجوة الزيتون المطحونة تظل في أسفل الاسطوانة.
لنقوم بعدها بجلب هذه “العجوة” إلى معملنا ونضعها مباشرة في المحمصة لكي تجف، وللتخلص من الرطوبة، نضيف له مادة “الكورسيم” وهي مادة محلة عضوية لنستخرج الزيت الذي يستخدم في مواد التنظيف فهو يحتوي على درجة أسيد عالية، بعد ذلك نذهب ببقايا عجوة الزيتون إلى فرن الحرق الذي يكون بداخله الحطب للإشعال الأولي، بعد ذلك نخرجه بواسطة “آلة كهربائية” لأن درجة حرارته تكون عالية جداً، فيصبح على شكل قوالب أو كميات مطحونة ناعمة جاهزة للتوزيع على المحلات والبيع للمستهلك”.
إن فائدته باتت ملموسة على تجاره وعلى السكان، فهو طاقة حرارية بديلة ذو قيمة عالية تعادل الفحم الحجري، رخيصة نسبيا مقابل ليتر المازوت الواحد البالغ سعره كحد وسطي 150 ل.س.
“نجوى” ربة منزل قروية من الريف الإدلبي تقول:” نستهلك حاليا قرابة 10 كغ من البيرين، سعرهم نحو 400 ل.س أي أنه اقتصادي نوعا ما، وهو أنظف وأكثر صحية من الحطب، ليس له رائحة أو دخان، أشعله بوضع كمية قليلة من الفحم فوقه في المنقل، وتلتم العائلة حوله، بل حتى أغلي عليه القهوة والشاي لتبرز وأشوي الكستناء والبطاطا ليبرزوا بنكهة خاصة”.
فصلابة العرجوم بما أن معناه باللغة العربية ” الناقة الصلبة” لا تقل أهمية عن صلابة إرادة الشعب السوري، الذي اعتاد التأقلم على جميع الظروف، وقهر صعوبة العيش بثباته بوجه كل التغيرات الحاصلة في الحرب السورية.
محار الحسن
المركز الصحفي السوري