في كلّ شتاءٍ، ومنذ بداية حملة التهجير القسري التي شنّها نظام الأسد على المدنيين، تزداد معاناة اللاجئين السوريين في مخيّمات النزوح في عرسال اللبنانيةِ شديدةِ البرودة، ولاسيما في شهري كانون الأول/ ديسمبر، وكانون الثاني/ يناير من كل عام؛ إذْ يهجم الشتاء عليهم بزمهريره، وثلوجه التي تكسو الخيام، وتجمّد العروق في الدّماء.
وقد سلّطت القدس العربي الضوء على الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها أكثر من 1500 لاجئٍ سوريٍّ في مخيمَي “الطفيل”، و” الأرزة الخضراء” في منطقة عرسال شرق لبنان، في ظلّ نقصٍ للمساعدات ولا سيّما مصادر التدفئة.
يوجد في هذين المخيَّمَين القابعَيْن في تلك المنطقة الجبلية الباردة ذات العواصف الثلجية قرابة 300 خيمة غير متينةٍ، غالبية قاطنيها من مدينة القصير في ريف حمص العربي، ومن محافظة دير الزور.
تفتقر تلك الخيام إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، وبعد كل عاصفةٍ تصبح في حالةٍ يرثى لها؛ إذْ ينهار كثيرٌ منها فوق رؤوس قاطنيها نتيجة تراكم الثلوج فوق أسطحتها، وعلى أقل تقديرٍ تغطيها الثلوج فتزيد من البرودة التي تصطك بسببها أسنان كل من في داخلها، وتزداد المعاناة معاناةً بعد ذوبانها على سطح الخيام وتسربها إلى داخل الخيمة في ظل نقص مواد التدفئة، والفرش والأغطية “البطانيات”، والملابس الشتوية.
باقي المخيمات في عرسال ليست أفضل حالاً من هذين المخيمين، فقد نزح إلى عرسال ما يزيد عن 60 ألف لاجئٍ سوريٍّ، موزعين على ما يزيد عن 120 مخيما، يعاني فيه السوريون من ظروفٍ إنسانيةٍ ومعيشيةٍ صعبةٍ جدا، في ظلّ صمتٍ مطبقٍ، وعدم السعي الحثيث وراء إيجاد حلول للحد من تلك المأساة.
الأمر الذي زاد من قسوة الحياة في عرسال هو عدم السماح للاجئين ببناء بيوتٍ أسمنتيةٍ مسقوفةٍ في تلك المنطقة فأجبر النازحون على العيش في خيامٍ مهترئةٍ لا تقيهم هجير الصيف ولا زمهرير الشتاء.
فقد أصدرت الحكومة اللبنانية عام 2019 القرار المرتكز على قانون البناء اللبناني رقم 646 الذي ينصّ على أنّ مواد البناء غير الدائمة فقط مثل الخشب، والحجر، والقماش، يمكن استعمالها للبناء على أرضٍ زراعيةٍ، وأن البنى الإسمنتية بالكامل بما فيها الأسس المتينة ممنوعةٌ، وبالتالي لا يسمح للاجئ أن يبني مسكنا من الإسمنت ولا حتى أن يؤمن الخيمة بأساساتٍ وجدرانٍ متينةٍ؛ لذا فهي عرضةٌ للانهيار والغرق والاقتلاع من جذورها في أية لحظةٍ.
يشعر اللاجئون السوريون بمرارة العيش هناك في ظل تلك الظروف الصعبة، وقد نشرت “الجزيزة نت” مقطع فيدو صوّر بعضا من معاناتهم، والثلج يحيط بهم من كل حدبٍ وصوبٍ، وكأن تلك الرياح والثلوج تقارعهم، في ظلّ تلك الأجواء الثلجية الصعبة المحمّلة بالبرد والثلج والمرض التي تتآزر مع الانهيار الاقتصادي في لبنان، ما زاد في غلاء أسعار المواد الغذائية وغيرها، فوجد اللاجئون أنفسهم بين فكّي كماشة النزوح وشظف العيش في المخيمات، وبين الوضع الاقتصادي المتردي الذي انعكس سلبا على حياتهم هناك.
تظلّ معاناة اللاجئين السوريين مستمرةً ومتجدّدةً مع حلول كلّ شتاء إذا لم تقُم المنظمات والجهات المسؤولة بتقديم حلول مناسبة تنهض بالمستوي المعيشي القاسي الذي يعيشه قرابة 60 ألف لاجئ سوريٍّ في عرسال وحدها، حيث تعاني هناك 9 أسرٍ سوريةٍ نازحةٍ من بين كلِّ 10 منها فقرا مدقعا بناء على دراسة للأمم المتحدة نشرتها مؤخرا.
فهل ستكون هناك حلولٌ تتناسب مع حجم آلام أولئك الذين فرّقت الحرب شملهم، ولفظتهم إلى دول الجوار ليعيشوا في بعضها على هامش الحياة؟
أما يكفيهم ما عانوه في ظل الحرب والفقد والظلم من قبل الأسد وحلفائه ومسانديه؟
وهل سينعم أولئك المهجّرون بشتاءٍ دافئٍ يوما ما؟
أمْ أنّ قدر النّزوح وبرد الشتاء سيظلُّ ملاحقهم في كلّ عام؟
ظلال عبود/ تقرير خبري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع