عمان ـ «القدس العربي»: التهدئة الملاحظة من الأردن مع الشريك «الخليجي» عمومًا والسعودي حصريًا، لها ما يبررها في مطلق الأحوال، ويمكن قراءتها في سياق العلاقة الطبيعية بين «القوي والضعيف» اقتصاديا في الأقل.
وهي تهدئة تخدم استراتيجية أردنية «كتومة جدًا» هدفها الأعمق والأبعد «الوقاية من مواقف أكثر خطورة وتشددًا» كما تفهم «القدس العربي» من سياسيين كبار يلاحظون أن اخفاق التحالف العربي في اليمن ولبنان وسوريا قد يختار الأشقاء تفريغه في بلد كالأردن.
على هامش مظاهر طرق الأبواب الإيرانية والسورية، يقترح سياسي مخضرم مُحنّك على وزير الخارجية أيمن الصفدي أن تشمل إحدى جولات الملك عبدالله الثاني زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون خدمة لمنطوق التنويع.
لا يمكن ببساطة تقبل مثل هذه النصيحة، من قبل مستويات القرار التنفيذي، ولا تحمل كلفة اقتراحها خصوصًا عند الحلفاء التقليديين لعمان في واشنطن وأبو ظبي والرياض.
رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في المقابل يعرف أصول لعبة التكتم، وهو يقرر تسريبا خجولا يحاول إخفاء حصول إشارات إلى «طموح عربي» مستقبلي محتمل له علاقة هذه المرة بالملف الأكثر حساسية وهو «مدينة القدس» الأمر الذي تنفيه السعودية في كل المناسبات. على نحو أو آخر، امتنع الإعلام الرسمي الأردني عن إعادة تدوير واستعمال المصطلح الجذّاب الذي اقترحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة إسطنبول الأخيرة، عندما خاطب الملك عبدالله الثاني بصفته «حامي القدس والمقدسات».
الجاذبية التي تنتج ويمكن تسويقها عن هذا اللقب في إطار شرعنة «الوصاية الهاشمية» أخفقت في إقناع الأردنيين على المستوى الإعلامي حتى بالتجرؤ على تكراره واعتماده في الأخبار الرسمية.
الهدف من ذلك واضح، وهو تجنب استفزاز الأطراف الشريكة وفي إطار التهدئة مع نادي الحلفاء التقليدي.
خلافا للدولة وللإعلام الرسمي والمسؤولين، جذب اللقب المشار إليه نخبة عريضة من المواطنين الأردنيين، فقط، واعتبروه ردا مناكفا ومعقولا على تحرشات ومواقف غامضة في ملف القدس بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بخصوصها.
يفترض أن بعض الأطراف خصوصًا في النادي الخليجي الذي يحاصر قطر، أنهم يدرسون مقترحات مباشرة بعنوان توسيع مظلة رعاية القدس على ضوء الوقائع التي فرضها قرار الرئيس ترامب
ثمة قراءة أكثر عمقًا في هذا المشهد، ألمح لها المفكر السياسي العميق عدنان أبو عودة وهو يتحدث مساء الأربعاء في مقر نقابة الصحافيين الأردنيين بعنوان «مزاحمة ملاحظة» لتصفية حسابات وأجندات على حساب ليس فقط مدينة القدس ولكن الدور الأردني فيها.
«القدس العربي» كانت قد تحدثت مبكرا قبل نحو أسبوعين مع أبي عودة عن وجود احتمالية تشير إلى أن بعض الأطراف يبحثون عن حصة لهم في ملف القدس عند أي محاولة لفهم وقراءة مبررات الاندفاع الخليجي تحديدًا نحو التقارب والتطبيع مع إسرائيل ومن دون كلف وأثمان ملاحظة في الأقل.
عاد الرجل، وقبل محاضرته في نقابة الصحافيين مساء الأربعاء إلى الإشارة إلى أن السيناريو أصبح مرجحًا.
سبب الترجيح هو تداول النخبة السياسية والبرلمانية الأردنية على نطاق واسع للتقويمات الخاصة بتقرير «القدس العربي» حول ما حصل في اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي في الرباط حيث برزت الإشارة الأولى حول «سابقة خليجية» حاولت إعاقة البند الأول في نص البيان الختامي الذي يتضمن تأييد ومساندة «الوصاية الهاشمية».
تلك حادثة إذا ما كانت دقيقة تحتاج في رأي أبي عودة وغيره إلى قراءة عميقة جدًا وتأملية.
مراقبون خبراء يصرون هنا على أن المسألة لا تتعلق بحساسيات وحسابات ثنائية مع المنظومة الخليجية فقط، بل تفسر الاتصالات المحجوبة تماما عن الأردن بين الرياض وتل أبيب، كما تفسر بوصلة التطبيع المتنامية عند الصديق البحراني وموقف المنامة من أزمة القدس. الإشارة الأخيرة يمكن فهمها الآن في ظل التسريبات التي تتحدث عن مفاهيم جديدة في تمثيل الإسلام والمسلمين داخل بنية المنظومة الخليجية، عبر صياغات من المتوقع أن تساعد مشروع اليمين الإسرائيلي في «دولة يهودية» وتفسر بالنتيجة إصرار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن «الوسيط الأمريكي نزيه ويمكن الثقة به» خلافا لإجماع العرب وحتى الأوروبيين.
للمنطق الذي يقترح تقليص الارتباط بالقدس ومشكلاتها اليوم ولأول مرة أنصار في المدرسة السياسية الأردنية الداخلية يتحدثون عن أهمية التخلي عن وصاية القدس وتركها لمظلة إسلامية أشمل برعاية سعودية «مالية وإدارية» بدلا من دفع رواتب 400 حارس وموظف ومرابط على حساب الخزينة الأردنية ومواجهة إسرائيل مباشرة.
مشكلة هذا الخطاب الذي يظهر نفسه على أنه مصلحي ويسعى لخدمة النظام في الأردن، أنه لا يجيب عن السؤال الأساسي المتعلق فيما سيحصل في اليوم التالي، لو أعلنت إسرائيل «دولة يهودية عاصمتها القدس» بتواطؤ بعض الدول العربية.
ولا يجيب بالتالي عن السؤال الأكثر عمقا وخطورة، الأردن من دون «وصاية» وفي مواجهة «دولة يهودية تلتهم الضفة الغربية» كيف سيدافع عن نفسه؟
طرح السؤال على أبي عودة ووزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر في ندوة عامة استضافتها نقابة الصحافيين الأردنيين بعنوان: «خيارات الأردن بعد قرار ترامب» فاتفقا على أن السؤال في غاية الأهمية والإجابة عنه تحتاج إلى الكثير الكثير من العمل.
الأردن اليوم؛ وفي مواجهة نقطة «تبادل منفعة» بين بقايا النظام الرسمي العربي الجديد واليمين الإسرائيلي أصبح تماما في «حالة دفاع». تسعى تل أبيب لـ «الدولة اليهودية» بمعنى أنها «خالية من الفلسطينيين وغير اليهود» حسب تفسير أبي عودة، فيما تنطلق تلك البقايا نحو «تنازلات وتنزيلات تأريخية» على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني، عبر تفاهمات استراتيجية محورية مع واشنطن وتل أبيب مدفوعة بخشونة وقسوة من مبرر «البقاء».
التقدير اليوم يقول إن الجزء الخليجي من النظام الرسمي العربي يريد أن يضمن تدخل الولايات المتحدة دوما لـ «الدفاع عنه».
وهذا لن يحصل من دون «علاقة تطبيعية تخدم إسرائيل» الأمر الذي لا يمكنه الحصول عمليا ومنطقيا في ظل رعاية أردنية – فلسطينية تصر على استعادة القدس والمقدسات في القدس.
وبصورة تنسجم ضمنيا مع ما تحدث عنه بنيامين نتنياهو مباشرة بعد توقيع ترامب قراره عندما قال: «سنعمل مع آخرين على ضمان أداء الصلاة للمسلمين في حرم أورشليم».