لم يعد هناك شيء يقال همسا في السويداء، ومجالس أهل السويداء.. و”الثورة” التي لم تتجذر في المحافظة، لأسباب يطول شرحها، استطاعت أن تكسر كثيرا من الخطوط الحمر، ويبدو أنها تكتب –ولو ببطء شديد- فصلا جديدا كليا من تعامل “الدروز” مع عدد من القضايا، وعلى رأسها قضية “الإمارة”.
فقد توفي “الأمير شبلي زيد الأطرش”، وعُين بدلا عنه شقيقه “جهاد”؛ ليكون في “منصب “الأمير” الجديد، ضمن “آل الآطرش” الذي يسيطرون على “إمارة جبل العرب” منذ عام 1868 عبر ما يسمى “دار عرى”.
وفي وقت تعيش سوريا أزمة عميقة متشعبة تخطت حدود الكارثة، جاء تنصيب “الأمير الجديد” ليثير عاصفة من الجدل في الشارع “الدرزي” بالسويداء، حول عدة نقاط أبرزها: جدوى استمرار هذا “التقليد”، والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الشخص ليكون “أميرا”، ومعضلة “التوريث” التي تبدو حتى الآن صاحبة الصوت الأعلى في تحديد المؤهلين لمختلف المناصب، سواء كانت “دينية” أو “دنيوية”.
ما جرى في بلدة “عرى” من مراسم عزاء “شبلي” وتنصيب جهاد “أميرا”، زاد من حدته حضور عدد لافت من ممثلي النظام وأعوانه، ليتساءل كثيرون أين كان هؤلاء في عزاء “شيخ الكرامة” وحيد البلعوس الذي قضى أوائل شهر أيلول/سبتمبر الفائت، إذا كان صحيحا أن “الإرهابيين” هم من قتلوه، وليس النظام.
وفيما يبدي بعض الدروز امتعاضهم الواضح من قضية تنصيب جهاد الأطرش “أميرا” بهذه الطريقة التي تجعل منصبا بهذه الأهمية ينتقل بصورة هزيلة عبر التوريث، يلفت آخرون إلى أن مسألة “الإمارة” ينبغي أن تكون قد باتت خارج سياق التاريخ كليا، لاسيما أنها تحولت إلى منصب أقل من فخري، بعدما قزّم نظام الأسد كل الوجهاء والزعامات في طول سوريا وعرضها، ليكون الزعيم الأوحد.
وفي معرض نقدهم يذكّرون بأن “صبيا” من أعوان وفيق ناصر (رئيس المخابرات العسكرية وحاكم السويداء الفعلي)، يستطيع أن يأمر “الأمير”، بل ويتخطاه دون أن يقيم له أي حساب.
ويدعو هؤلاء إلى التخلي عن تقليد الإمارة، بل و”دفنه” كليا، مدعمين دعوتهم بالمقارنة بين وزن وهيبة “أمراء” الماضي و”أمراء” الحاضر، وآخرهم “جهاد” الذي يُنظر إليه كـ”مهرب مازوت” مستفيد من أزمة المحروقات، أكثر من كونه “أميرا” يستحق الجلوس على كرسي شغله أناس مازال ذكرهم بين الدروز أشبه بالأساطير.
ومع إلباس عباءة “الإمارة” لجهاد الأطرش، يستذكر بعض الدروز لاسيما كبار السن منهم، ما نقل عن “سلطان باشا الأطرش” حينما سئل عن الشخص الذي سيعهد إليه بعباءته الشهيرة، فرد “زعيم الثورة السورية الكبرى”: “كل واحد يفصّل عباي على قياسو”، في دلالة واضحة على رفضه مبدأ التوريث، الذي قد يجلب للشخص المنصب وعباءته، لكنه قد لا يستطيع في الغالب أن يجعله متحليا بصفات من سبقوه.
زمان الوصل