التقط السوريون المقيمون في تركيا أنفاسهم في اليومين الأولين لمحاولة الانقلاب والتزمت الغالبية العظمى منهم المنازل، وامتنعت عن اتخاذ أي موقف، لا سيما أن كثيرين بينهم يعيشون في تركيا من دون أوراق مشروعة أو جوازات سفر صالحة، وإنما في أفضل الأحوال بإقامات موقتة يصعب تجديدها.
وبقي القلق والخوف مسيطران ريثما انكشفت ضبابية الأحداث على الأرض، وتأكد إمساك الحكومة بالوضع، واستتباب الأمن وإطلاق تطمينات صريحة ومباشرة لهم وصلتهم على لسان أكثر من مسؤول تركي. وجاء ذلك تبديداً لأنباء تناقلتها وسائل إعلام عربية مؤيدة للانقلاب تبادلها السوريون عبر هواتفهم النقالة، وأفادت بأنه سيتم طرد اللاجئين منهم والهيئات السياسية الممثلة لهم في تركيا وأولها «الائتلاف الوطني». وزاد الأمر سوءاً، المتابعة الحثيثة لمظاهر الاحتفال والابتهاج التي عمت مناطق الداخل السوري حيث سيطرة قوات النظام، ليبدأ رسم سيناريوات محتملة عن إبعاد قسري إلى سورية أو مغامرة لجوء جديدة.
ويقول عضو «الائتلاف الوطني السوري» سمير النشار إن وصف ما مر به السوريون بـ «القلق أو التوتر لا يفي بالغرض، لأنه كان رعباً حقيقياً». وأضاف «تركز الهم على معرفة موقف الانقلابيين في حال نجحوا، من السوريين عموماً، والمعارضين السياسيين خصوصاً. فلا بلد تنشط فيه المعارضة السورية، كما في تركيا، واسطنبول تحديداً، ولا بلد تلقى فيه هذا الاحتضان الرسمي والشعبي، بحكم الجوار من جهة، ولكن أيضاً لأن الحكومة التركية مؤيدة للثورة السورية».
وإذ ناشد «الائتلاف» السوريين في بيان، بالتحلي بـ «مشاعر الحيطة والحذر والحكمة في التعاطي مع الأحداث ومع ردود الفعل الفردية، عفوية كانت أم مقصودة والتي قد تستهدف الوجود السوري في تركيا»، تقول عضو الهيئة السياسية نورا جيزاوي إن المشكلة تكمن في غياب إطار قانوني يحمي الوجود السوري في تركيا. وتضيف «استعاد السوريون سريعاً تجربتهم في مصر حيث أوقفت الإقامات وطرد كثيرون منهم».
وفي اليوم التالي لإفشال الانقلاب، شوهد علم صغير للثورة السورية في تظاهرة حاشدة في منطقة الفاتح، أمام مبنى الاستخبارات العامة (أمنيات) حيث معقل حزب العدالة والتنمية، فيما كثرت الأعلام في الأيام التالية خلال الاحتفالات التي دعا إليها الرئيس رجب الطيب أردوغان، وشارك السوريون فيها، وعبروا صراحة عن تلك المشاركة سواء بحمل أعلام الثورة أو بربطها على جباههم أو معاصمهم. وأضافت «جاء النزول إلى الشارع لسببين، أولهما محاولة إيصال رسالة للشعب التركي مفادها أن وجودنا هنا هو إيجابي وفعال، ويحمل مشاركة في أحداث بلدكم، وثانياً للشعور بالفرح والقدرة على ممارسة الديموقرطية». وتابعت جيزاوي «ربما تكون فرصة أيضاً للسوريين لبناء جسور مع أطياف الأحزاب السياسية التركية وعدم الاكتفاء بحصرية العلاقة مع حزب العدالة والتنمية».
وبين الإحجام والمشاركة على أرض الواقع، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي دفقاً من المواقف التي راوحت بين «حسرة على رئيس يستعين بشعبه ضد العسكر»، وتمنيات بأن يأتي يوم يعيش فيه السوريون «انتصار الديموقراطية» في بلدهم. واستخدم كثيرون وسم (هاشتاغ) «عسكر يوك» فيما ذهب البعض خطوة أبعد، وبدلوا صورهم الشخصية على «البروفايل» بصورة الرئيس أردوغان. ولم يمر ذلك من دون انتقادات وأخذ ورد، إذ لفت كثيرون إلى أن الأتراك أنفسهم لم يرفعوا إلا علمهم، ولم تظهر صور لقائد أو رئيس، وبدأت السخرية والحسرة في آن من «ثقافة تمجيد الأشخاص». وكان لافتاً في تلك «المعارك الفايسبوكية»، مواقف عكسها كثير من الأكراد السوريين الذين عبروا منذ اللحظات الأولى لعودة أردوغان غانماً ظافراً عن مخاوف جدية، ونددوا بمواقف مواطنيهم لأنهم يؤيدونه تأييداً «مبالغاً وغير مشروط» وفقهم.
وفي وقت كان أردوغان أعلن عن إمكان تجنيس السوريين في تركيا، جاءت الخضة الأخيرة بمثابة «جرس إنذار» للهيئات السياسية المعارضة لتدفع قدماً بعجلة «قوننة وضع السوريين». وقالت جيزاوي «هناك تواصل مع مسؤولين أتراك للنظر في هذا الموضوع، لكن مسألة التجنيس تحديداً شائكة لأن هناك مخاوف من انتقام النظام بسحب الجنسية السورية».
لكن نشار رأى في المقابل أن «طرح الموضوع سابق لأوانه، في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة التركية باستعادة توازنها، لا سيما أن المعارضة السورية لا تملك أدوات التأثير السياسي الفعلي، ولها أن تقترح ما تراه مصلحة السوريين وتبقى الاستجابة أو عدمها للجانب التركي».
الحياة – بيسان الشيخ