وتوقَّع الناصري في حديث مع هافينغتون بوست عربي المزيد من الصعوبات في تمويل عمليات الإغاثة للنازحين السوريين، بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، في ظل الاتجاه الأميركي لخفض تمويل الأمم المتحدة.
الناصري تحدث إلى هافينغتون بوست عربي في مكتبه بالقاهرة، بعد أيام من مؤتمر هلسنكي، عاصمة فنلندا، الذي أطلقت منه وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات غير الحكومية، في 23 يناير/ كانون الثاني 2017 نداءً جديداً للعالم لتدبير 4.6 مليار دولار أميركي لإنقاذ أرواح ما يزيد عن 4.8 مليون لاجئ سوري، تمثل النساء والأطفال 70 في المئة منهم، أي أكثر من 3.3 مليون امرأة وطفل، ومواصلة أعمال إغاثتهم ودعم المجتمعات المضيفة لهم في الدول المجاورة.
الأسطورة الأولى: خاطفة الرجال
وقال الناصري، إن المرأة السورية “تدفع ثمناً مضاعفاً للمحنة السورية، وتواجه تحديات إنسانية وعائلية فوق حدود التحمل”.
“جايين يخطفوا الرجالة”، كانت هذه أولى الأساطير التي واجهت المرأة السورية النازحة في الدول الخمس التي ذهبن إليها، كما يحكي الناصري. “في فترة من الفترات انتشرت شائعة بين النساء في أكثر من دولة أن اللاجئة السورية تريد أن تتزوج من أي رجل متزوج لتجد من ينفق عليها. دورنا يبدأ بمكافحة مثل هذه الشائعات، أما الآلية فحددناها في ثلاث خطوات:
1- توفير مورد رزق
2- دعم المجتمعات المضيفة للاجئين
3- المساعدة على الاندماج الاجتماعي والإنساني في المجتمعات الجديدة.
محمد الناصري مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالدول العربية
إسراء: من مزارع إدلب إلى مدينة بيروت رأساً
تعمل المنظمات الأممية مثل منظمات الإغاثة ومفوضية اللاجئين واليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمية بالتنسيق، حتى تحصل اللاجئة كل يوم على المعونات، لكن الأهم، كما يقول الناصري، هو العبور بها من مرحلة استلام المعونات إلى مرحلة أن تكون منتجة وفاعلة في المجتمع.
“دورنا كهيئة أمم متحدة للمرأة أن نوفر لها برامج تدريبية تساعد اللاجئة على اكتساب مهارات جديدة تؤهلها للعمل في البيئة الجديدة، مثلاً لو كانت هناك امرأة سورية من إدلب تعمل مزارعة، إذا انتقلت للعيش في مدينة مثل بيروت كيف تستطيع أن تكون فاعلة اقتصادياً؟ إمكاناتها كمزارعة لا تؤهلها، وهنا يأتي دورنا لتعليمها مهنة جديدة تناسب البيئة المضيفة لها”.
في عام 2012 كانت أراضي مخيم الزعتري بالأردن صحراء لا أثر فيها للحياة، لكنه الآن واحد من أكبر التجمعات السكنية بالمملكة الهاشمية، بوجود نحو 80 ألف لاجئ مقيم، بالإضافة إلى أعداد تعتبر المخيم وطنها رغم الإقامة في دول أخرى. الزعترى هو ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم، والثلثان من سكانه نساء وأطفال.
النازحة إسراء من درعا قالت إن المخيم كان يعني في البداية مجرد النوم بعيداً عن خطر القصف، رغم شكوى الصغار، ورغبتهم في العودة إلى الوطن. الآن تعمل إسراء بمكاتب الأمم المتحدة بالمخيم.
وفي يوليو/ تموز 2016 زارت النجمة أنجيلينا جولي المخيم، وعبرت عن استيائها تجاه ما يحدث في سوريا، وشعورها بالامتنان حيال الأردن والدول الأخرى المجاورة لفتحها حدودها لاستقبال اللاجئين، ومساعدتها الشعب السوري في محنته.
سهيلة: كنا ميسورين لكننا خرجنا من سوريا “حفاة”
يوضح الناصري أن المنظمات الدولية والدول المانحة تقدم دعماً مالياً مباشراً لحكومات الدول المضيفة للاجئين السوريين بشكل عام.
ولكن هيئة الأمم المتحدة للمرأة لا تكتفي بذلك، وإنما تقدم دعماً للمرأة المحلية في تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، جنباً إلى جنب مع الدعم الذي تقدمه للاجئة السورية. ويقول المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن هذا الدعم عبارة عن “تدريب وبناء قدرة لكي تكون فاعلة اقتصادياً، وعندما نعمل مع سيدات سوريات نحرص أيضاً على مشاركة سيدات من المجتمع المضيف لأنه ليس فقط السيدة السورية التي تمر بضائقة اقتصادية، وإنما المجتمع المضيف أيضاً”.
سهيلة، اللاجئة السورية في بيروت، تتذكر لحظة النزوح الصعبة: “كنا بسوريا ميسورين، لكن طلعنا بإيدينا”، والجهد الأكبر للأمم المتحدة في مخيمات النازحين هو تأهيل اللاجئة للمشاركة الاقتصادية، الأمر الذي يبدو أحياناً بالغ الصعوبة.
العنصر الثالث في عمل المنظمات الأممية هو العمل على الاندماج الثقافي والاجتماعي للمرأة السورية داخل المجتمع المضيف. والاندماج الناجح، كما يقول الناصري، يبدأ من التعامل اليومي بين اللاجئة والمجتمع الجديد، الأمر الذي يزيل الكثير من الانطباعات الخاطئة، لأن وقتها تستطيع المرأة المصرية أو اللبنانية أو التركية أو الأردنية أن تحكم على المرأة من منطلق الدلائل وليس الانطباعات والشائعات.
أطفال يولدون في وضع اللجوء.. ثم يتزوجون
“أبرز التحديات على الإطلاق” كما يصفها الناصري هي إقبال اللاجئات السوريات على تزويج بناتهن عند سن 13 أو 14 سنة، بحيث “تضطر الأم لذلك بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية أيضاً، فزواج البنت ينقل عبئها الاقتصادي إلى زوجها وأسرته، والغرض الأساسي هو الستر من منظور أخلاقي أيضاً، خصوصاً لو كانت الأم هي معيل الأسرة، لأن احتمالات تعرض البنت للعنف والتحرش في ظل عدم وجود والدها أو أي من عائلتها الذكور في البيئة الجديدة أكبر.
ويوضح الناصري أن المنظمة لا تهتم في مثل الحالات بتطبيق القانون وانتقاد زواج البنت قبل 16 أو 18 سنة، أكثر من اهتمامها بتوفير حل اقتصادي بتوفير مصدر رزق للعائلة، وأمني بتوفير الأمن”.
ويضيف: “في فترة من الفترات كانت المدقات الفرعية في مخيم الزعتري مظلمة، وفي المرحلة الأولى كانت دورات المياه في آخر المخيم، حيث كانت الطفلات يتعرضن للعنف عند ذهابهن للدورات، فقمنا بإنارتها”، مشيراً إلى أن إنارة طرقات المخيم قد تكون أمراً بسيطاً لا يخطر على بال أحد، ولكنه أمر قد يحد من تلك المشكلة.
وتُعنى هيئة الأمم المتحدة للمرأة بتمكين المرأة ومساواتها مع الرجل، وفيما يتعلق بالقضية السورية، تركز الهيئة جهودها إلى جانب تمكين المرأة اقتصادياً بتوفير فرص عمل لها، واجتماعياً بتدريبها على مواجهة العنف والتصدي له، بتمكين المرأة السورية سياسياً، بخلق دور لها في مفاوضات السلام في سوريا.
يوضح الناصري: “اشتغلنا مع المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا على مدار أكثر من سنتين، إلى أن أعلن المجلس الاستشاري النسوي المكون من 15 سيدة سورية، وبالتوازي مع هذا المسار أطلقنا مبادرة نساء سوريات من أجل السلام والتنمية، بدأنا من ثلاث سنوات بـ45 سيدة سورية من جميع الطوائف والاتجاهات السياسية الموجودة على الساحة السياسية السورية باستثناء جبهة النصرة وداعش، والآن وصلنا إلى 150 سيدة سورية من جميع الطوائف والاتجاهات السياسية، منهن مواليات للحكومة، ومنهن مواليات للمعارضة ومستقلات، نحاول أن نصل معهن إلى أجندة موحدة لرؤيتهن لسوريا الغد، أو سوريا السلام، وكيف نصل إلى هذا”.
الفرصة الأخيرة لإنقاذ ملايين الأرواح في المخيمات
“حتى لا يموت السوريون من الصقيع ومن قلة الأكل، وحتى لا يبقى أطفالهم من دون تطعيم، انعقد مؤتمر هلسنكي”.
هكذا يقول الناصري، مضيفاً أن الدول الأوروبية لم تستضف أكثر من بضعة آلاف من اللاجئين السوريين، رغم أن ظروفها تسمح باستقبال المزيد، ولكن في المقابل استقبلت تركيا والدول العربية المجاورة لسوريا التي تواجه تحديات اقتصادية أكثر من 6 ملايين لاجئ ولاجئة، وفي مقابل ذلك ما زال السوريون ينزحون من سوريا، وعدد اللاجئين يتضاعف بسبب ما ينتج عن حالات الزواج التي تمت خلال السنوات الست الماضية، من أطفال يولدون في وضع لجوء، ما جعل الكثير من تلك الدول العربية تغلق حدودها في وجه اللاجئين.
حمل مؤتمر هلسنكي شعار “دعم السوريين ودول الجوار”، ويقول الناصري إنه من دون 4.6 مليار دولار التي طلبتها المنظمات الأممية لمواصلة أعمال إغاثة اللاجئين ودعم المجتمعات المضيفة، ستكون حياة اللاجئين في خطر، “نقدم دعماً يومياً للأسر السورية: غذاء، ملبساً، تعليماً، إنارة في المخيمات، تدفئة، وهذا يتطلب أموالاً طائلة، فتشغيل مخيم الزعتري في الأردن وإدارته فقط شهرياً يتطلب 80 مليون دولار، لكن مخيم الزعتري أصبح مدينة تحتاج إلى غذاء وشبكات صرف وإنارة وتدفئة”.
“الالتزام حتى الآن شفهي من الدول المانحة “كما يكشف الناصري، المهم الآن على المجتمع الدولي المعني بالقضية السورية أن ينتقل إلى التزام حقيقي وملموس”. قبل 11 شهراً من الآن، عُقد مؤتمر لندن، وأعلنت كثير من الدول استجابة شفهية بتقديم الدعم اللازم للاجئين السوريين، ولكن حتى الآن لم تنفذ كثير من الدول التزاماتها وتعهداتها، ولذلك من المهم أن تنفذ الدول المانحة تعهداتها”.
يضرب الناصري مثلاً بالوضع في تركيا التي “حصلت على وعد من الاتحاد الأوروبي بمساعدات قيمتها 3 مليارات دولار، لتتمكن من استقبال نحو 3 ملايين لاجئ سوري، ولكن في النهاية لم تتلق تركيا أكثر من 250 مليون دولار”.
يتوقع الناصري أن قائمة من الدول المانحة مرشحة للوفاء بالتزاماتها، “ألمانيا، هولندا، الدول الاسكندنافية، المملكة المتحدة، فرنسا، كندا. اليابان تقدم الكثير من الدعم، وكذلك دول الخليج وصناديق التنمية في تلك الدول، مؤسسة الوليد بن طلال، مؤسسة محمد بن راشد، صندوق التنمية الكويتي، وليس بالضرورة أن تقدم الدعم للمنظمات، ولكن بتقدم الدعم مباشرة للمخيمات واللاجئين”.
ترامب سيخفض المساعدات الأميركية للاجئين
“لا نتوقع تأثيراً مباشراً لوصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية على اللاجئين السوريين، فأميركا في عهد أوباما لم تقدم أكثر من عشرات الآلاف من فرص اللجوء للسوريين، فضلاً عن أنها لم تكن من أبرز المانحين، وما تدعم به اللاجئين السوريين يقل عن دعم الدول الاسكندنافية واليابان”، كما يقول يقول محمد الناصري.
ويضيف: “لو نظرنا للموضوع بطريقة واقعية كدول عربية، فإن سياسة الولايات المتحدة لم تختلف من وصول جمهوري أو ديمقراطي للحكم، والنتيجة النهائية هي أن وجود أكبر قوة سياسية وعسكرية في العالم لم يمنع وقوع المآسي السورية والليبية واليمنية، وفي النهاية لا تتأثر السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط كثيراً باختلاف الرؤساء والأحزاب السياسية، وخصوصاً القضية الفلسطينية، الذي يمكن أن يختلف هو تسارع الموضوع”.
والتغيير الذي يتخوف المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية من حدوثهعلى يد ترامب هو تخفيض دعم أميركا للأمم المتحدة، موضحاً “قرأت أن هناك اقتراحاً من الكونغرس لوقف تمويل الأمم المتحدة”.
ويشير إلى أنه خلال رئاسة أوباما “عندما اعترفت اليونسكو بدولة فلسطين كدولة قائمة بذاتها وضمَّتها لمجلسها، أوقفت الولايات المتحدة دعمها للمنظمة، فانخفضت ميزانيتها إلى 250 مليون دولار في السنة”.
ويتوقع الناصري أن وصول ترامب لرئاسة أميركا سيخلق فجوة كبيرة في أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات التابعة لها “ولكن سنعول وقتها على المجتمع الدولي في سد تلك الفجوة لمواصلة العمل”.