إن أكثر ما يفتخر به الشعب السوري هو المهن اليدوية التي سايرها منذ عهود قديمة وأبدع بها فكانت تراثاً وضع بصمته داخل سوريا وخارجها، إلا أنه بعد الحرب السورية تغيرت الأحوال وباتت كل الصناعات التقليدية عرضة للخطر والانقراض ومن بينها مهنة صناعة السجاد اليدوي.
صناعة السجاد اليدوي ليست مهنة عادية بل هي فن يرسخه العاملون بها من خلال رسوماتهم ونقوشاتهم المحلية المحاكية لعراقة سوريا، ودمشق تعتبر شهيرة بها منذ آلاف السنين تحت مسمى “نسيج الدامسكو” العائد فيها كصناعة إلى 7 قرون ماضية.
أنواع عدة صممها العاملون بتلك الصناعة من السجاد والبسط تميزت بالجمال الفني وانتشرت صناعتها عبر الأنوال اليدوية في الأرياف وتعتمد بغالبية إنتاجها على تلبية الطلبات الخاصة للسوق المحلية، وتختلف أسعارها نسبة لجودتها والخيوط المستعملة في تصنيعها وحجم القطعة الواحدة ومدة العمل بها كونها مهنة يدوية تحتاج بمعظم قطعها لوقت طويل.
شيرين من مدينة اللاذقية المعروفة بقدم تلك المهنة بها ووجود أسواق مخصصة لعرض قطعها مثل سوق البازار تقول:” ورثت عن عائلتي مجموعة من السجاد والبسط اليدوية الصنع التي تباهيت بها أمام الجميع طالما أنهم يدركون أن من يمتلكها هو من ذوي الحال الميسور مادياً، وعلقت البسط على الجدران كلوحات تراثية وبعضها ستائر لأنها ذات سماكة أقل من السجاد نسبياً”.
قبل الحرب السورية واجهت صناعتها مشاكل عدة منها ظهور السجاد المشغول آلياً والمعتبر أرخص ثمناً من ذاك السجاد اليدوي ولجوء الناس إليه، فاقتصرت مبيعاته على السياح الوافدين على سوريا والمقتنيين إياه لبلادهم كرمز تعريف عن حضارة سوريا، هذا غير تراجع نسبة العمل بها بعد أن انسحب مهرتها الذين وضعوها مصدر رزق لهم ولم تعد تلبي حاجتهم، وحاولت الدولة أن تحافظ على تلك الصناعة التقليدية من خلال نشر ما يسمى ” وحدات اجتماعية لتعليم صناعة السجاد اليدوي ” في الأرياف والمدن السورية الصغيرة الواصل عددها آنذاك أكثر من مئة وحدة إرشادية وقل عملها فيما بعد نتيجة عزوف معظم عمالها بعد أن عانوا من مشكلة التسويق والبيع، يشرح (عمار سمور) مدير إحدى الوحدات الوضع قائلاً للشرق الأوسط:” تأسست وحدتنا في عام 1967 وظلت تعمل بشكل جيد دون انقطاع بسبب رغبة الكثير من فتيات قرى القلمون بريف دمشق في تعلم صناعة السجاد اليدوي كعمل إبداعي يمكن أن يساندهم مالياً”.
أما بعد اندلاع الثورة السورية باتت تلك المهنة مهددة بالانقراض بشكل نهائي، ففقر الشعب السوري جعله يختار ما هو ضروري لمتابعة سير الحياة ويتخلى عما هو كمالي فهي كما مذكور بالسابق أسعارها مرتفعة وحتى السياح الفئة الأكبر في شرائها تراجع وجودها بسوريا لتردي الأوضاع الأمنية، ناهيك عن تلاشي ورشات صناعتها في الأرياف والتي كانت مورداً اقتصادياً هاماً لهم، وبما أنها تحتاج لمزاج كبير خاصة بالرسومات والأشكال الهندسية المتطلبة دقة عالية صنفها الكثير على أنها صناعة نسائية ولم يتبقى إلا العدد القليل منهن يعملن بمجالها وداخل منازلهن على نول قديم والذي هو الآلة اليدوية التي يتم بها حياكة السجاد والبسط.
” من الأجداد للآباء إلى الأبناء تم توارثها والحفاظ عليها للدلالة على براعة السوريين ” عبارة رددتها أم محمود السبعينية من عمرها في معرة النعمان بريف إدلب والتي بقيت تعمل بها لأطول فترة مقتنعة أن لا سجاد ممتاز بعد السجاد اليدوي وبالأخص أن يد المرأة السورية هي من أنجزت تلك الحرفة الأثرية العريقة.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن