هل جون كيري متمكن؟
خطرعلى بالي هذ السؤال بينما كنت أستمع إلى وزير الخارجية الأمريكي وهو يتحدث عن النجاح الذي أحرز مؤخرا في المفاوضات السورية مع روسيا ودول أخرى, المحادثات التي قال كيري إنها ادت إلى اتفاق يؤدي إلى “وقف الأعمال العدائية”.
صرح كيري أمام رؤوساء الوزراء والجنرالات وآخرين كانوا مجتمعين في مؤتمر ميونخ للأمن يوم السبت :” القرارات التي سوف تصنع في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة يمكن أن تنهي الحرب في سوريا أو أنها سوف تضعنا أمام مجموعة من الخيارات الصعبة للمستقبل”.
يعتقد كيري حقيقة إن السلام في متناول اليد. بالعودة إلى ربيع عام 2013, خرج كيري من اجتماع في موسكو وهو يشيد بالرئيس فلاديمير بوتين بسبب موافقته على التعاون على خطة “تجمع الحكومة السورية والمعارضة مع بعضهما البعض, بتراضي الطرفين, ومن ثم سوف تتحول هذه الأطراف المجتمعة إلى حكومة انتقالية”. في نوفمبر, أعلن كيري إن سوريا يمكن أن تكون على بعد أسابيع من تحول كبير.
مع تحرك الأمور ذهابا وإيابا خلال خمس سنوات من الحرب, فإن الوضع في سوريا تطور من حالة الرعب إلى حالة الكارثة. قدر عدد القتلى منذ وقت طويل بحوالي 250000 شخص, وبالتأكيد فإن هذا العدد شهد ارتفاعا كبيرا منذ ذلك الوقت. أكثر من نصف عدد السكان الذي يصل عددهم إلى 22 مليون نسمة أجبروا على الخروج من بيوتهم, مع هجرة أكثر من 4 ملايين شخص البلاد وتحولهم إلى لاجئين. أثارت الهجرة الجماعية ما وصفه كيري بأنه “أكبر أزمة إنسانية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية, وهي تشكل تهديدا وجوديا للسياسات ونسيج الحياة في أوروبا”.
بينما كان كيري يناقش آخر التطورات الدبلوماسية, كانت الطائرات الروسية تقصف المدنيين في مدينة حلب وتقطع خطوط إمدادهم, مما زاد من احتمالية أن تتعرض المدينة للحصار وأن يجبر حوالي 400000 من السكان على الهرب أو مواجهة الجوع, وهو التكتيك المفضل لحاكم سوريا وحليف بوتين بشار الأسد.
قال لي نيكولاس بيرنز السفير الأمريكي السابق, الذي حضر المؤتمر هو الآخر :” إننا خاضعون لبوتين تماما. لقد تعرضنا للمهانة. وخسرنا موطئ قدم استراتيجي, وتنازلنا عن القيادة”.
كل ذلك جعلني أتساءل فيما إذا كان كيري متمكنا – ليس ضد بوتين أو الأسد, ولكن مع رئيسة أوباما.
شغل كيري منصبه في الولاية الرئاسية الثانية لأوباما مقتنعا أن الحرب السورية, بعد أقل من عامين عليها, يمكن أن تنتهي بتسوية سياسية فقط, ولكن يجب تعزيز وتقوية المعارضة قبل الوصول إلى تسوية مع النظام.
مساعدو أوباما الرئيسيون في ولايته الأولى أيضا كانوا يفضلون دعما أكثر تماسكا للمتمردين السوريين. ولكن أوباما خلص مرارا وتكرارا إلى أن التحرك – المزيد من التدريب ومنطقة حظر جوي و التزويد بسلاح أكثر تطورا وفعالية- سوف يكون اخطر من التقاعس وعدم التحرك.
كل ذلك لم يترك أي خيار أمام كيري سوى الدبلوماسية, وهذه الدبلوماسية ضعيفة جدا. ومرة أخرى كان يأمل في ان إيران وروسيا, داعمي الأسد, يمكن أن يقتنعوا برؤية العالم كما راته الولايات المتحدة. ومرة أخرى, كان الروس يراقبون الأمريكان بينما كانوا يقومون بالعمل بطريقتهم الخاصة, مما أجبر كيري على التخلي عن مواقفه خطوة خطوة – وأن يسقط على سبيل المثال موقفه المتمثل في أن على الأسد التخلي عن السلطة كخطوة أولى للتسوية.
حسنا, ربما تقول, لقد كسب شرف المحاولة على الأقل, وربما تؤتي جهوده ثمارها هذه المرة.
أنا معجب جدا بإصرار كيري. ولكن الدبلوماسية المزيفة والخادعة التي تظهر أنها تحرز تقدما ربما تكون غطاء وذريعة للتقاعس. الخيارات التي كانت متوفرة لأوباما منذ البداية كانت تحمل درجة من المخاطرة, وربما لم يكن من شأن أي منها المساعدة؛ وربما كان محقا بعدم تقديم الصواريخ للمتمردين لإسقاط المروحيات التي تلقي البراميل المتفجرة على أحياء المدنيين؛ وربما لم يكن من شأن المناطق الآمنة وقاية أوروبا من الأزمة الوجودية التي أصبحت تقرع أبوابها. ولكن سراب السلام القائم على المفاوضات ساهم في تجنيب الإدارة – والكونغرس والأمة- الخوض في الجدل في هذه الاحتمالات وحملها محمل الجد كواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والاستراتيجية في عصرنا الحاضر.
يمكن رؤية حالة مماثلة من الدبلوماسية كمخدر على الجانب الآخر من العالم, حيث لا تحرك الولايات المتحدة ساكنا مع تحول كوريا الشمالية إلى دولة نووية, على الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة هي أنه لا يجب السمح بأن تتحول كوريا الشمالية إلى دولة نووية. المنطق هنا هو أن الصين فقط هي من يملك رافعة ضد كوريا الشمالية, وبالطبع فإنه في مصلحة الصين أن تمنع كوريا الشمالية من أن تصبح دولة نووية, ولهذا, فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى كسب الصين للضغط على كوريا الشمالية.
هذا المنطق خال من العيوب, ولكنه خاطئ للأسف. من الواضح أن الصين تخشى من عدم الاستقرار في كوريا الشمالية أكثر من خشيتها من كوريا الشمالية النووية. لقد كانت الدبلوماسية عديمة الجدوى, ولكنها سمحت للإدارة بتجنب النقاش أكثر حول الخيارات الأخرى الأكثر مباشرة وصعوبة.
متحدثا في ميونخ يوم الأحد, قال جون ماكين بأنه لا يمكن أن يشارك كيري في آماله بالوصول إلى اتفاق في سوريا يسمح باستمرار الروس في قصفهم. وأضاف “إن بوتين يمارس الدبلوماسية لصالح العدوان العسكري”.
كما قال ماكين :” الشئ الوحيد الذي تغير في طموحات بوتين هو ان شهيته تزداد مع استمراره في تناول الطعام. والإحساس السليم لن ينهي الصراع في سوريا. الأمر بحاجة إلى رافعة”.
جون حياة