قــــــراءة فــــي الصحــــف
نبدأ قراءتنا من صحيفة الـ “واشنطن بوست” الأمريكية التي نشرت:
خلال المناظرة التي جمعت المرشحين لمنصب نائب الرئيس مساء الرابع من أكتوبر الجاري، وقع بين مديرة المناظرة والمرشحين “الجمهوري” و”الديمقراطي” حوارٌ قصيرٌ يعكس جيداً الارتباك والغموض اللذين يلفان مهمات عسكرية جديدة قد تقودها الولايات المتحدة في سوريا، ويُظهر نوعاً من الخطاب غير الدقيق الذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى دخول الولايات المتحدة حرباً يعارضها الأميركيون.
فبعد مرور قرابة نصف المدة المخصصة للمناظرة، سألت مديرةُ المناظرة “إيلين كويجانو”، حاكمَ ولاية إنديانا “مايك بانس” (عن الحزب الجمهوري) والسيناتور “تيم كاين” (عن الحزب الديمقراطي) حول الحرب هناك فقالت: “50 ألف شخص، 100 ألف منهم أطفال، محاصَرون في حلب في سوريا اليوم. القنابل المدمرة للملاجئ، والقنابل العنقودية، والأسلحة الحارقة تلقى عليهم من قبل الجيشين الروسي والسوري. فهل تقع على الولايات المتحدة مسؤولية لحماية المدنيين ومنع وقوع إصابات جماعية بهذا الحجم؟.
“بانس” شدّد أولاً على ضرورة زيادة عديد الجنود في الجيش الأميركي بشكل كبير، وهو ما يمثّل اقتراحاً سياسياً محيراً في الواقع بالنظر إلى أن دونالد ترامب لا يؤيد نشر أي جنود أميركيين في سوريا، قبل أن يضيف قائلاً: “ينبغي علينا أن نشرع في الانكباب على هذا الأمر بقيادة أميركية قوية”.
أما “كاين”، فقد ربط بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنه قال في النهاية: “بخصوص حلب، قلتُ إننا متفقان بالفعل على ضرورة إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا”.
وتابعت الصحيفة، والواقع أنه لا يوجد تعريف محدد لـ”منطقة آمنة” في العقيدة العسكرية الأميركية، ولا في عقيدة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، غير أن نوع المنطقة التي يبدو أن “بانس” يحاول وصفها تتعلق أكثر بما يسميه البنتاجون منطقة منزوعة السلاح: “منطقة محددة تُمنع فيها مرابطة قوات عسكرية أو تركيزها، أو إقامة منشآت عسكرية من أي نوع أو الإبقاء عليها”. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن مثل هذه المنطقة لا يمكن أن تضم، بالتعريف، أعضاء من المعارضة المسلحة.
وبالمقابل، فإن منطقة إنسانية من النوع الذي كان يتحدث عنه “كاين” كثيراً ما تكون مرتبطة بالممرات الآمنة، وهي طرق ممنوعة على المسلحين ومحددة للتنقل أو مناطق محددة تستطيع فيها المنظمات الإنسانية العمل من دون تدخل من أجل توفير المساعدة للمدنيين.
وأضافت الصحيفة، أنه مما لا شك فيه أن التصريحات التي وردت في هذه المناظرة ينبغي فهمها في سياق السياسات التي وُصفت خلال الحملة بشكل عام، ولكن هذا لا يعفيهما من التسبب في قدر كبير من الإرباك. فهيلاري كلينتون قالت في عدة مناسبات إنها تؤيد إقامة “منطقة حظر جوي” و”منطقة آمنة”، مشيرةً إلى أن ذلك “يمنحنا بعض التأثير في مفاوضاتنا مع روسيا” و”تأثيرا إضافيا أبحث عنه في مساعينا الدبلوماسية مع روسيا”، ولكنها لم تقدم أي تفاصيل إضافية. ومن جانبه، لم يشر ترامب أبدا إلى أنه يؤيد إقامة “منطقة حظر جوي”، حيث قال عنها في أكتوبر الماضي: “لا أعتقد ذلك. أعتقد أن ما أريد القيام به هو أنني أريد التريث ورؤية ما سيحدث.
وأردفت الصحيفة، خلاصة القول إن على مديري المناظرات أو المستجوِبين ألا يسمحوا للمرشحين لمنصب القائد الأعلى للقوات بالإشارة إلى مهمات عسكرية مختلفة بشكل مرتجل من دون الضغط عليهما لتقديم تفاصيل حول كيف يعتزمان القيام بذلك. فالمنطقة الإنسانية ليست هي المنطقة الآمنة، والمنطقة الآمنة مختلفة عن منطقة حظر جوي. ذلك أن كل واحدة من هذه المهمات تتطلب مستويات مختلفة من الالتزام العسكري، وحقوق تحليق مختلفة فوق البلدان، ودرجات مختلفة من الدعم الوجيستي والتحليلي. كما أنها ستؤثر على المحاربين في الحرب الأهلية السورية بشكل مختلف.
في موضوع متصل، نشرت مجلة “ذانيشن” الأمريكية مقالاً للكاتب “بسام حداد”، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون.
يرى الكاتب أن سورية صامدة مستقلة موحدة.. قد يبدو حلما بعيد المنال خاصةً بسبب السياق الذي يحيط بالصراع السوري، من طرفين أساسيين ينفي كل منهما وجود الآخر نظريًّا، وربما يسعى لإقصائه ومحوه فعليًّا، وبين أطراف خارجية تستتر وراء دوافعها في نفاق فج، إذ تدعي دعم المعارضة في بلد، وتقصف مثيلتها في أخرى. الثابت أن من يغفل الملابسات الأدق لوضع الصراع ومدى تشابك الأطراف الداخلية والعالمية الخارجية، لن يمكنه التوصل لحل للأزمة. فكيف السبيل لحل صراع يراه كل طرف أنه صراع صفري؛ فوز مطلق لي أنا وهزيمة نكراء تامة للآخر، أو بعبارة أخرى أنا أو الآخر.
يقول الكاتب:
“سَردَان متوازيان ومتحاربان تمامًا، يقصي كل منهما الآخر، هما المسيطران على المباحثات، إلا أن أيًّا منهما ليس كافيًا لإنقاذ البلد من على حافة الهاوية.
الآن وقد تشبع كل من يتابع أخبار سوريا التي تعتصر القلوب بالبيانات والتحليلات والمعلومات، وأيضًا المعلومات المضللة بشأن تطور الأوضاع في سوريا منذ عام 2011، وتبني العديد منا الروايات المتباينة البائسة، يتبين هنا هل كنا حقًّا نتابع الوضع السوري على مدى العقدين الماضيين أم أننا فقط انتبهنا فجأةً للوضع هناك منذ أحداث عام 2011. ولسوء الحظ، في ضوء طبيعة التدفق المستمر للمعلومات عن البلد، وخاصةً في ظل الظروف الراهنة ، فإن تبلور رأي حول الوضع هو عرضة دائمًا للتشكيك أو للحجج المغايرة المعقولة.
يضيف الكاتب، “ولكن لكي نفهم تمامًا أسباب هذا المأزق، يجب أن نلقي نظرة شمولية على الصراعات الإقليمية المتداخلة والمرتبطة بهذا الصراع”.
يرتبط تزايد اتساع نطاق الحرب السورية بالتطورات الإقليمية من العراق إلى اليمن، فضلًا عن مسألة تنظيم الدولة، فعندما كانت روسيا تدك حلب، كانت السعودية تقصف اليمن باستخدام المقاتلات الأمريكية التي أمدتها بها واشنطن مؤخرًا، ويتزامن ذلك مع تقدم السفن الحربية الإيرانية من السواحل اليمنية للدفاع عن المتمردين الحوثيين في اليمن.
فضلًا عن أن كلًّا من روسيا وسوريا والمعارضة السورية والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكافة الفصائل الكردية والعراق وقوات الحشد الشعبي العراقية يقاتلون، أو يدَّعون أنهم يقاتلون تنظيم الدولة.
ففي حين بدأت آخر خمس قوى من تلك التي ذكرناها هجومًا لاستعادة السيطرة على الموصل من التنظيم، يتبادل الأتراك والحكومة العراقية حربًا كلامية حول من سينضم لتلك المعركة.
ويرى الكاتب، أنه يمكن إضافة المزيد من التعقيدات حتى ولو لم نأخذ في الحسبان الحسابات المستقبلية، وبالتالي من يعتقد في إمكانية معالجة الصراع السوري بمعزل عن كل تلك المعارك الأخرى، فهو بالتأكيد غافل عن أبعاد الصراع.
يردف الكاتب، تتباين الجداول الزمنية لمختلف الأطراف الفاعلة، على سبيل المثال سحق الثوار في حلب، والذي يعد علامةً فارقةً للنظام السوري وروسيا، لن يمثل سوى مجرد مرحلة على طريق جهود استراتيجية موسعة وتداعيات متموجة ستجتاح المنطقة، ومع كل هذه الأوضاع المتغيرة غير المستقرة، قد تطرأ تطورات غير متوقعة تعقد الأوضاع في سوريا أكثر من ذلك، ومعظمها على حساب الشعب السوري.
المركز الصحفي السوري _ صحف