د . محمد مرعي مرعي
إدارة المشروع باختصار : قيادة نوعية خبيرة وناجحة في مشروعات سابقة ، أهداف محددة بدقة ، خطة استراتيجية متقنة ، برامج عمل تنفيذية من عدة مراحل قابلة للتطبيق تتضمن ، موارد كافية أهمها العناصر البشرية الكفوءة ، وسائل عمل فعالة ،الزمن الدقيق ، النتائج المأمولة قياسا إلى كل ما سبق ، التنبؤ بالمخاطر ، تغذية راجعة لتقييم الانجازات وتصحيح العمل وتطويره ) . كي ينجح أي مشروع لا بد من توافر كل ما سبق وحسن إدارته للوصول إلى تحقيق الأهداف والنتائج المأمولة .
نتساءل : هل ثورة الشعب السوري مشروع عمل ” بالطبع إنها مشروع حياة ووجود ومستقبل ، يتم التحضير له منذ 50 عاما بانتظار لحظة البدء بالعمل مع توافر الحد الأدنى من مستلزمات نجاحه . هنا ، طالما ثورة الشعب السوري مشروع حياة فهو مؤلف من عدة مراحل أهمها وأصعبها (مرحلة الانطلاق أو غرس ثقافة الثورة ) التي أعد لها الشعب الثائر كافة المتطلبات منها : الحشد والتظاهر والإعلام الثوري الفعال والقوى الشبابية الخلاقة والأهم الاصرار على الاستمرار في تنفيذ مراحل المشروع الأخرى ، وتتسم عادة تلك المرحلة بغياب وجود قيادة مرئية كون الجميع يشارك فيها بشكل عفوي أو منظم .
يتبع ذلك (مرحلة الفعل أو البناء الثوري )، وهذه أخطر مرحلة إذ تتطلب قيادة إدارية تتحلّى بكفاءة عالية جدا وسبق لها النجاح في إدارة مشروعات سابقة بشكل قاطع وبشهادة الجميع ، وتبنى تلك المرحلة على ما تحقّق في مرحلة غرس ثقافة الثورة أو تهيئة الأرضية اللازمة .
تعد مرحلة الفعل والبناء الثوري أصعب مراحل تنفيذ المشروع ا لأنها تقوم على تكامل عمل كافة متطلبات وعناصر إدارة المشروع ، ويكون العامل الحاسم متمثلا في القيادة الإدارية للمشروع ومدى ما تملكه من معارف نوعية وخبرات عملية ومهارات عالية لازمة .
للأسف ، ما زالت الثورة السورية في هذه المرحلة رغم مضي 4 سنوات على انطلاقتها وتنتقل من حالة تعثر إلى حالة خلل رغم الجهود الهائلة التي قام ويقوم بها العناصر البشرية الثورية .
لماذا تعثرت ثورة الشعب السوري في مرحلة البناء والفعل الثوري ؟ يعود السبب الرئيس إلى قيادة الثورة كونها اختارت نفسها بنفسها وبفرض من قوى خارجية مأجورة لها ، وهي لم يسبق لها العمل في إدارة أي مشروع سابقا ولا سابق لها بأي عمل ثوري أو إداري ثوري . وتنسب الأسباب الأخرى إلى حالة ضعف توافر متطلبات مشروع ثورة الشعب السوري جراء ضعف بصيرة قيادة الثورة ومحدودية امكاناتها في الممارسة الادارية الثورية وجهلها بتلك المتطلبات وحجمها ومداها مثل غياب : تحديد أهداف صحيحة ، وضع استراتيجية سليمة ، صياغة خطة تنفيذية مع برامج عمل ومراحل ومستلزماتها كالموارد المتنوعة والوسائل اللازمة والزمن الدقيق والنتائج المأمولة وتحديد المخاطر المتوقعة والقدرة على تنفيذ التغذية الراجعة للتقييم والمراجعة والتحسين المستمر ، … )
كما رأى وسمع كافة أبناء الشعب السوري الثائر وثواره الأبطال ، يجهل كافة من تولّى ما يسمى قيادة الثورة الممثلين في ( الائتلاف وملحقاته وسلفه ، مجلس قيادة الثورة ، هيئة التنسيق ، وأشباهها من التنظيمات التي تدعي العمل الثوري ) ودون استثناء أحد ، ادارة المشروعات والمؤسسات والتنظيمات ، وأثبتوا للجميع أنهم تجمعات هواة ومرتزقة توحدهم المصالح للحصول على مكاسب مادية ومعنوية بأية وسيلة متاحة لهم على حساب دماء الشعب الثائر ومعاناته وآلامه وتهجيره وعذاباته …
أما المراحل اللاحقة لتنفيذ مشروع ثورة الشعب بعد مرحلة البناء والفعل الثوري فلن أتوسع بها كي لا أسهم في احباط الثوار والشعب الثائر ، لأن مرحلة الفعل والبناء الثوري تبدو طويلة ومؤلمة بفعل ممارسات وسلوكيات هؤلاء الذين يمثلون الثورة دون شعبية ومشروعية .
هكذا ، طالما بقي هؤلاء الذين يجهلون أدنى متطلبات مشروع ثورة الشعب السوري في واجهة قيادة الثورة وإداراتها ( الائتلاف وملحقاته ، مجلس قيادة الثورة ، هيئة التنسيق وأشباهها ) ، فإن ذلك المشروع سيبقى متعثّرا في المرحلة الثانية ( مرحلة البناء والفعل الثوري ) رغم أن التحضيرات كانت ناجحة جدا في المرحلة الأولى من المشروع ( مرحلة غرس ثقافة الثورة الشعبية وخلق الارضية المناسبة ) من قبل الثوار الأبطال وتضحياتهم الهائلة . وللأسف ستطول مرحلة التعثر في البناء الثوري وستكون مؤلمة وقاسية جدا على الشعب الثائر وستزيد تضحياته وآلامه ومعاناته على خلاف حالة الرخاء والبطر والترف الثوري لدى ما يسمى قيادة تلك الثورة . ويبقى المخرج الوحيد لنجاح مرحلة البناء الثوري للوصول إلى النتائج المأمولة وهي نجاح الثورة وبناء دولة القانون والحريات والحقوق والمواطنة رهنا بإزالة ما يسمى قيادة الثورة بكافة مسمياتهم بعد أن تأكد قطعيا للجميع فشلهم الذريع في إدارة مشروع ثورة الشعب السوري الذي هو مشروع حياة ووجود ومستقبل .