على الكاتب أن يكون مثل قطرة الماء التي تصعد من ظلمات البحر بحثا عن النور والحقيقة ،حتى وإن علمت أنها ستحترق بأشعة الشمس، لكنها تتحول إلى سحابة تحمل غيثا نديا وعذبا، تروي تربة عطشى، في حين يظن البعض أنها انتهت.
وهكذا الكاتب، لا بد أن لا يركن إلى الأفكار الموروثة والتقليد الأعمى للأفكار ليتحول إلى سجين لروحه وسجين لإبداعه، بل يغامر بروحه وفكره طلبا للمعرفة وبحثا عن الحقيقة.
تعتبر قضية الكتابة قضية إبداعية حقة، وقضية إنسانية صرفة، بل إن كل قضايا العامة هي قضايا إنسانية، فلا بد للكاتب أن ينظر للإنسان أولا باعتباره إنسان، لتلك الروح السامية الحاوية لصفات الكمال والجمال والحب والخير سواء كان ذلك الإنسان أنثى أم ذكر.
يخلق الإبداع عندما تنتصر النفس في صراعها مع البشرية ومعاناتها، ويهدأ لحظات ليبدأ من جديد، فإذا قاومت الروح الانهزامية والخضوع فإنها ستبدع وتؤثر في كل من يلامسها.
إذن الروح واحدة عند الرجل والأنثى، فمن يكتب يكتب بروحه لا بجسده، بإشارات لا تلتقطها الأنفس ولا الأسماع والأبصار فقط، بل تلتقطها الأرواح، التي هي محايدة. ترى وتتذوق الجمال والقبح فقط. فلا تلمس إذن الفرق بين الكاتب رجلا أو امرأة.
الكتابة لا تختلف من جنس لجنس بأكثر ما تختلف من ذات لذات، فلا يمكن إذن أن أقول أن هناك كتابة نسائية، إلا إذا تقوقعت الكاتبة داخل جسدها واستبدلت العالي بالداني.
فالكاتب إذا كتب، لابد أن يوجه مشاعره وأحاسيسه لكل إنسان، لا إلى جنس معين، أما قضية التفاعل مع الكاتب فتلك قضية أخرى، لكن عندما أكتب مثلا عن دور الأب، فبتأكيد سيكون تفاعل الذكوري أكبر، وسيكون هناك تفاعل أنثوي، إلا أني لم أقصد الرجال مباشرة، لكنها لامستهم دون شك. إذن بعض القضايا تفرض نفسها على القارى توجيها، إلا أنها تبقى عامة.
لا بد للكاتب أن يكتب بشفافية روحية، بعيدا عن الجسد، ولما تحمله تلك الروح من معاناة وقهر وهموم، فكيف لكاتب النزول للجسد الطيني، والتخلي عن السمو الروحي في المخاطبة؟!
على أن الاضطهاد الذكوري موجود مذ قتل قابيل هابيل، ومذ وئدت البنات حيات أيام الجاهلية، ومذ اضطهدت نساءٌ رجالاً أيضا، فلا يزال الاضطهاد الذكوري للأنثى أو العكس موجودا في زمان ومكان.
وسيبقى اضطهاد الأنا لغيرها أيضا موجود، ليدل أن الاضطهاد أبشع السقطات البشرية، ليصبح المضطَّهد كالسجان الذي حول سجينه إلى نسخة منه، يظلم ويحارب غيره.
بالعودة الى قضية الكتابة، تاه الإنسان وتاهت معه معالمه الأساسية، وأصبح على الكاتب المتناول لأي قضية إنسانية عربية أن يختار بين أن يكتب عن إنسان الماضي العربي الأصيل المحدد المعالم أو عن إنسان المستقبل الغربي المحدد المعالم. أما إذا أراد الكتابة عن الحاضر فلا بد أن يخلق شخصية تتحدد ملامحها بمدى ثقافة الكاتب وأسلوبه في تناول القضايا، فكل كاتب عربي يكتب من رؤيته الخاصة أو من زاوية تتناسب مع عادات وتقاليد مجتمعه، ولكن حتى ما يكتبه الإنسان العربي عن مثيله غير واضح وغير محدد، ونفس الحكم ينطبق على ما يكتبه عن المرأة العربية.
من ناحية تناول مشاكل المرأة فكل كاتب يراها من زاوية خاصة، فالبعض يراها مشاكل جسدية والبعض الآخر روحية ونفسية وغير ذلك.
لا تختلف مشاكل المرأة العربية عن مشاكل الرجل والطفل والإنسان العربي عموما. فحتى هذه اللحظة لا توجد هناك حلول محسومة لمشكلة المرأة، أما المشكلة التي تتناول الآن، فهي إنسانية نسائية عامة لا تضم فقط المرأة العربية، بل تشمل عموم النساء في العالم.
فاذا أردنا بلورة المكانة الإنسانية للمرأة، لا بد أن نتناول مشروع تحديد إنسانية الإنسان العربي الجديد حتى نتحدث بعدها عن مشاكل الإنسان كرجل أو كامرأة منفصلين.
فالناظر بعمق يرى أن الإنسان العربي فقد استقلاليته، وأصبح تابعا، أنكر عقله وتنكر لحضارته، بعد انبهاره بحضارة الغرب، الصدق والإتقان والمساواة وغيرها.
والحل هو في مناقشة إيديلوجية جديدة أو قديمة ونختار الأقرب منها الى المبادئ الصدق والعدل والمساوة لنختار الوقوف بجانبها.
في العصر النبوي عصر الحضارة وازدهارها، كانت المرأة شريك الرجل في كل شيء،
ومع تأخر الحضارة العربية وظهور اديديولوجيات جديدة، ظهرت أفكار غريبة وظهر مصطلح ” الحريم”، فقدت المرأة كثير من حقوقها ، إلا أن الرجل كذلك فقد كثير من مبادئ العدل وحرية التعبير وغيرها.
وفي الختام ، إذا كان هناك تعليق سائد فهو اتهام موجه للناقد وليس للكاتب أو القارئ، فلا أظن أن هناك قارئا واحدا يقتني كتابا لمجرد أن كاتبه امرأة، إذ هي بالتأكيد لن تعرف من هو طيب القلب الذي يقتني كتابا ترفقا بكاتبته. والحقيقة أن الناقد الحقيقي الذي يحترم عمله كنتيجة لاحترامه لذاته ولجمهوره لا يحتفي بعمل مالم تؤهله مقوماته الفنية لذلك.أما المزيف فلا يمتلك ربما حسا إنسانيا عاليا يدفعه للرفق بالقوارير فهذا يعتمد على المصالح الشخصية فهو يحتفي بعمل يقدم له تلك المصلحة بغض النظر عن جنس الكاتب ومستواه.
المركز الصحفي السوري _ محمد إسماعيل