رأى كتّاب ومحللون وخبراء في الشؤون السياسية، أن التحالف بين تركيا والمملكة العربية السعودية والرياض بما يمثلانه من “ثقل سياسي” هو “مطلب حتمي” من شأنه تنسيق الجهود لمواجهة “الإرهاب”، وإيجاد حلّ للأزمة في سوريا، ومواجهة النفوذ الإيراني، ودعم القضية الفلسطينية، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
واعتبربعض البخراء، أن “التحالف يُنظر إليه داخلياً في المملكة وتركيا، بل وفي معظم الدول الإسلامية، على أنه التحالف المنتظر الذي يمكن أن يغير الواقع السيئ الذي نعيشه”، هوأنه يدل على أن البلدين يمضيان في تطوير علاقاتهما وصولاً الى مرحلة التحالف الاستراتيجي، بعد أن برز التحالف الروسي – الإيراني، وفي ظل غياب واضح للدور الأمريكي.
الكاتب السعودي، زهير الحارثي، قال في مقال بعنونا “ما الجديد في التقارب السعودي – التركي؟”، إن التقارب بين البلدين”سيكون له انعكاس إيجابي بنشوء محور جديد في المنطقة قادر على التهدئة ودعم القضايا العربية ومواجهة مشروعات التجزئة”، معتبرًا أن “أجواء الود التي تعيشها العلاقات ما بين الرياض وأنقرة ما هي إلا ارهاصات لقرارات سياسية أكثر أهمية قادمة، ولذا فالتعاون بينهما مطلب حتمي يفرضه الواقع وضرورة استراتيجية”.
وأشار الحارثي إلى المناخ السياسي والإقليمي المحيط بالزيارة، وتطابق الرؤى بين الدولتين في العديد من الملفات، قائلاً: “الملاحظ أن منهجية السياسات وما بينهما متقاربة إن لم تكن متطابقة فالزيارة تأتي بعد استضافة الرياض لاجتماع المعارضة السورية، وموقفهما كذلك مما يحدث في سوريا، إذ لا مستقبل للأسد في المرحلة الانتقالية، ناهيك عن توجسهما من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والتدخل في شؤون الدول، وتأييدهما للحوار بين أتباع الأديان”.
من جانبه قال الكاتب والمحلل، بدر الراشد، في مقال تحليلي له نُشر عبر جريدة “العربي الجديد”، تحت عنوان “مجلس التعاون الاستراتيجي التركي-السعودي… هل تكفي سورية لتعميق العلاقات؟”، إن الإعلان السعودي ـ التركي عن إنشاء هذا المجلس “يُنبئ بخطوات أكبر على صعيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لاسيما في ما يخصّ القضايا العالقة في المنطقة”.
ولفت الراشد في هذا الصدد إلى أن زيارة أردوغان للمملكة تأتي “بعد ترحيب أنقرة بإعلان الرياض قبل أسابيع عن التحالف الإسلامي، لمواجهة الإرهاب، والتنسيق العالي المستوى بين البلدين، في محاولات لإيجاد حلّ في سوريا، ودعم تركيا لمخرجات اجتماع المعارضة السورية في الرياض، أخيراً”، مبينًا أن “التعاون الاستراتيجي السعودي ـ التركي بدأ من الأراضي السورية، إذ نسّق البلدان، منذ أشهر، بالتعاون مع قطر، مواقفهم السياسية القائمة على رحيل الأسد، ومقررات جنيف 1، والدفع بهذا الاتجاه سياسياً وعسكرياً”.
بدوره، رأى الكاتب الفلسطيني، يوسف رزقة، في مقال نشره بجريدة “فلسطين” اليومية الصادرة في قطاع غزة، تحت عنوان “مجلس تعاون استراتيجي” أن هذا مجلس التعاون الاستراتيجي بين تركيا والمملكة العربية السعودية، “خطوة جيدة وضرورية للبلدين والمنطقة”، مضيفًا أن “مجلس التعاون الاستراتيجي يعني أن ثمة التقاء وتطابق بين البلدين في مقاربة القضايا الساخنة في المنطقة، وأن المستوى الاقتصادي والعسكري يسيران معا بخطوط متوازية”.
وقال إن هذا المجلس “خطوة كبيرة ومهمة، ولكن يقتضي منا الصبر لمعرفة التفاصيل ومجالات التطبيق والعمل”، معتبراً أن “إعلان تركيا عن ترحيبها بقيادة السعودية للتحالف الإسلامي يعدّ مؤشراً على دخول العلاقات الثنائية إلى ساحات العمل الاستراتيجي، وهذا سيمنح المشروع السعودي قوة وحيوية، وستكون أنقرة بقوتها الاقتصادية والعسكرية تعزيزاً لما أعلنت عنه الرياض”.
وأعرب عن أسفه أن مصر خارج هذا التحالف، قائلاً إن “تقارب السعودية وتركيا وقطر، ربما يفتح باباً واسعاً أمام دول أخرى تشعر بما تشعر به هذه الدول ، ويمكن أن يكون لهذا التعاون أن يكون أكثر تأثيراً فيما لو كانت مصر جزءا منه”، وعبّر عن أمله أن يكون هذا التحالف خيراً لبلاده، بقوله “نحن في فلسطين نراقب ونرحب بكل تقارب وتعاون عربي وإسلامي، ونرجو أن يكون خيراً عليهم وعلى حقوق شعبنا”.
وفي هذا السياق، شدّد وزير الخارجيّة السعودي “عادل الجبير”، في مؤتمر صحفي مشترك عقده يوم الخميس الماضي، مع نظيره التونسي الطيب البكوش، بمقر وزارة الخارجية التونسية، على أهمية إنشاء مجلس التعاون الإستراتيجي بين بلاده وتركيا، مشيرًا أن هدف المجلس هو “التنسيق بين البلدين أمنياً، وعسكرياً، واقتصاديّاً، ومالياً، وتعليميّاً، من أجل دفع العلاقات الثنائية لخدمة مصالح البلدين”.
وأوضح الجبير، أن التّحالف الإسلامي الذي تقوده بلاده ضد “الإرهاب”، (أُعلن عنه منتصف الشهر الجاري) يهدف لإيجاد استراتيجية شاملة لمواجهة الظاهرة أمنياً، وعسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتعليميّاً، مضفًا أن “الإرهاب لا يمكن القضاء عليه دون توحيد الصف ودون تعاون دولي، وذلك لنبرز أنّ الإسلام يرفض الإرهاب وأنه ضحيته”، في إشارة لتشكيل تحالف عسكري إسلامي بقيادة السعودية.
وكان عادل الجبير، قال خلال مؤتمر صحفي عقده، الثلاثاء الماضي، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بالعاصمة السعودية الرياض، إن “الهدف من تأسيس المجلس، هو تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات، وخدمة للبلدين، والشعبين، وللأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما وأن المملكة وتركيا لديها علاقات تاريخية وقديمة، وهناك شركات تركية عديدة تعمل في المملكة، وتبادل اقتصادي، وتجارة، واستثمارات، وسياحة بين البلدين”.
كما أشار الجبير إلى أن “الهدف من المجلس الذي تم التوجيه بإنشائه، هو تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، وجعلها تتم عبر مؤسسات، لكي تكون هناك استمرارية، ويكون هناك تنسيق أقوى وأكثر”، مضيفًا أن “الهدف أيضًا هو تعزيز العلاقات لخدمة البلدية والشعبين، في ظل الظروف التي تمر به المنطقة والتحديات التي نواجهها سويا في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، سواء فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو بتدخلات إيران السلبية والعدوانية في شئون المنطقة”.
وكان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، عقد في قصر اليمامة، بالرياض، الثلاثاء الماضي، جلسة مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناولا خلالها التطورات الإقليمية والدولية. وقالت وكالة الأنباء السعودية إنه جرى خلال جلسة المباحثات استعراض العلاقات الثنائية، وبحث آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويرها وتعزيزها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتعد هذه هي المباحثات الثانية بين الزعيمين خلال شهرين، بعد المباحثات التي جمعت بينهما الشهر الماضي، على هامش زيارة العاهل السعودي، إلى مدينة أنطاليا التركية، حيث شارك في قمة العشرين حينها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في مؤتمر صحفي عقده الخميس الماضي، في مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول، بعد عودته من زيارة المملكة العربية السعودية، إن الزيارة، مثلت فرصة لبحث الخطوات التي سيتم اتخاذها من أجل تطوير العلاقات المتميزة بين البلدين في كافة المجالات، مضيفًا أن أهم خطوة تم اتخاذها في هذا الإطار، هي قرار إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وأضاف الرئيس التركي أن الزيارة تناولت مسائل تتعلق بمجالات التجارة، والدفاع، والاستثمار المتبادل، وزيادة الاستثمارات التركية في السعودية، والاستثمارات السعودية في تركيا، والتعاون في مجالي الطاقة والأمن، والتعاون العسكري ضد الإرهاب، خاصة بين الدول الإسلامية، موضحًا أن الزيارة بحثت العديد من الموضوعات الإقليمية منها؛ الأزمة السورية، والأوضاع في ليبيا، والعراق، وفلسطين، واليمن.
وتعد هذه الزيارة هي الثانية لأردوغان خلال 10 شهور بعد الزيارة التي قام بها للسعودية في مارس / آذار الماضي وأجرى خلالها مباحثات مع العاهل السعودي، والثالثة له للبلاد خلال هذا العام، بعد الزيارة التي قام بها في يناير/كانون ثانٍ الماضي لتقديم واجب العزاء في العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
يذكر أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وتركيا، مرت بمراحل تطور عديدة على مدى سنوات مضت (بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1929م) وشهدت توافقا في معظم قضايا المنطقة والعالم، ومثل توقيع اتفاقيات عديدة، منها اتفاقية الصداقة والتعاون بينهما، أسساً متينة لقواعد هذه العلاقة، وتعزيزها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة، واتسمت مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص خدمة مصالح الأمة الإسلامية، من خلال الزيارات المتبادلة، أو داخل الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية،وبذل البلدان جهودًا مكثفة لنصرة الشعب الفلسطيني، والوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، كما أن لهما دورهما الفاعل في منظمة المؤتمر الإسلامي.
والتقت مواقف البلدين في مواجهة الإرهاب بصوره وأشكاله كافة، والذي سيكون واحداً من الملفات المهمة التي سيناقشها الرئيس التركي مع مستضيفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
ترك برس