بحجارتها القديمة المعتقة برائحة الياسمين وأشجار الليمون والنارنج وبركة الماء العذب، ترتصف البيوت السورية القديمة التي تروي حكاية التاريخ وفن العمارة الإسلامية العريقة بتصاميمها الهندسية الفريدة ونقوشها العمرانية التي تعتلي أسقفها وجدرانها وأرضياتها، حيث تغنى بجمالها كل من زارها ومتع ناظريه بهذه التحف الفنية الراقية.
” البيت العربي” كما يسميه أهالي سوريا، ولايقتصر وجوده على محافظة دون سواها إذ تنتشر البيوت العربية في جميع المحافظات السورية والتي تشكل تراث سوريا وحضارتها الأصيلة، ويرتبط وجودها بالقيم الاجتماعية والثقافية والعمرانية وغيرها، فتعتبر متحفا مصغرا لاحتوائها على أجمل التحف الشرقية.
انتشرت قبل الثورة في سوريا ظاهرة تحويل البيوت القديمة لمطاعم، فكانت مقصدا جاذبا للسياح من خلال تقديمها أشهى المأكولات السورية و”المازة” “كالفتوش والكبة النية و الباباغنوج والبرك بأنواعها والسمبوسك” وغيرها الكثير، بالإضافة لتحويل بعضها الآخر لفنادق كون معظمها مؤلف من طابقين وتحوي غرفا كثيرة.
رغم التوسع العمراني وانتشار المباني الشاهقة المؤلفة من عدة طوابق، يعز على من اعتاد العيش في البيوت العربي أن يفارقها حيث يبعث في قلب ساكنيها الراحة والطمأنينة لما فيها من جمال يميزها عن سواها، كل ذلك لم يشفع له أن تكون محصنة من شظايا الحرب التي ساهمت وبشكل كبير في دمار العديد منها واندثار بعضها وتحولها لركام.
ولعل مدينة حلب خير مثال عن ذلك وبالأخص بعد خروج أحيائها القديمة عن سيطرة النظام سابقا قبل ان يجبرهم الحصار على مغادرتها كباب النيرب وباب الحديد والمشارقة وباب الفرج، فلم يقم النظام السوري أي اعتبار لتاريخها وماتمثله تلك الأحياء للشعب السوري، فقد تصدرت حلب قائمة المحافظات بعدد المنازل المدمرة جراء استهدافها بشكل يومي من طائرات النظام .
لم تكن مناطق دمشق أوفر حظا، فبعد أن كان يفوح منها عبق الياسمين الدمشقي أبدلته الحرب بالدمار ودماء الشهداء الطاهرة، ومنها أحياء دوما الشعبية وداريا والمعضمية ومضايا وغيرها، إذ لم يتبق منها سوى الركام والذكريات الأليمة، فضلا عن سياسة الحصار التي يتبعها لقهر إرادة الشعب.
أم عامر من مدينة دوما تحكي معاناتها:” كم أحن لارتشاف القهوة بجانب بركة الماء بعد أن أجبرتنا وحشية النظام على مغادرة بيتنا الدمشقي عنوة بفعل القصف اليومي، فلم يبق منه سوى بعض الحجارة المتبعثرة فوق بعضها والتي تروي بطياتها حكاية التاريخ المدمر”.
لجأ مالكو “البيوت العربية” القديمة لبيعها بعد أن هبط سعرها بعد الحرب كسائر العقارات، ليقوم رجال أعمال إيرانيين بشراء قسم كبير منها حسب ما أفاد سكان تلك الأحياء، لتكون سياستها واضحة في استملاكها فتبدو بذلك الصورة واضحة أمام مرأى الجميع .
عن أي تراث وحضارة سنحدث أبناءنا؟، في وقت مازال نظام البعث يتزعم محاربة الإرهاب ومحبته للوطن، الذي دثرت معظم معالمه وهويته التاريخية، لكن سيبقى “البيت العربي” إرث أجدادنا وصورته الجميلة محفورة بأذهان جميع السوريين.
المركز الصحفي السوري_ سماح الخالد