عرف السوريون بشغفهم للأشياء التراثية القديمة ورغبتهم باقتنائها وتزيين منازلهم بها، لما لها من قيمة حضارية وتاريخية يفوح منها عبق الماضي، والتي تتميز بدقتها ومتانتها وحرفية صانعيها كالفضيات والنحاسيات وحتى السجاد يدوي الصنع الذي كان يستخدم كلوحة فنية ويعلق على الجدران .
إلا أن للنحاسيات وقع خاص في قلوب محبي ” الأنتيكا “، إذ يتفننون بطريقة عرضها في زوايا منازلهم، ويتباهون أمام بعضهم من يمتلك قطعا أكثر، ومن لديه أقدمها، لتنتشر أسواق بيعها في معظم المدن والمحافظات السورية، وتقام في بعض الأحيان مزادات علنية عندما تكون ذات قيمة عالية.
رغم وجود عديد من الأشخاص الذين يرغبون بشرائها، إلا أن محلات “الأنتيكا” تأثرت كغيرها بمجريات الحرب، لتكون أسواق بيعها مقتصرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث باتت تلك الأسواق الوسيلة الأكثر والأسرع انتشارا ويجد المواطن فيها طلبه بمجرد أن يكتب منشورا فيها، يحدد فيه ما يود بيعه أو شراءه.
” خنجرين نحاس للبيع، صنع عام 1948، والبيع لأعلى سعر”، وتنهال التعليقات على المنشور فمنهم من عرض شراءهما ب100 دولار، وآخر ب200 دولار، إذ يقيم ثمنه بحسب النقش الموجود عليه ومدى البراعة في صنعه، بالإضافة لعمره فكلما كان أقدم كلما ارتفع ثمنه.
محمد من مدينة ادلب يروي قصته مع الأنتيكا النحاسية :” منذ صغري وأنا أحب امتلاك القطع النحاسية التي يزيد عمرها عن خمسين عاما، فقد ورثت عن والدي بعضا منها “كالدلة” بأحجام وألوان نحاسية متفاوتة، وبعض المسابح والأواني والكؤوس وغيرها، بالإضافة لبعض القطع كالسيف والترس التي كانت تزين خزانتي”.
ويضيف محمد :” قررت وعائلتي خوض تجربة اللجوء للسويد، فلم يكن أمامي من خيار سوا أن أبيع كل ماأملك من نحاسيات ليكون ثمنها معينا لي في تكاليف الهجرة، عز علي ذلك، فقد كنت أنظفها وأهتم بها دائما فهي من رائحة والدي، إلا أن الحرب أجبرتنا على التخلي والتنازل عن أشياء عدة، فما قيمتها عندما أخسر أحد أولادي، لذا كانت سلامتهم أهم منها”.
ونظرا لما تعنيه تلك النحاسيات والأنتيكا القديمة لأهالي مدينة ادلب على وجه الخصوص، كونها تتمثل بإرث أجدادهم وحضارتهم العريقة، أقيم في محافظة ادلب في شهر مارس الماضي معرضا تراثيا برعاية منظمة بارقة أمل النسائية، والتي تعنى بكل ما يخص المرأة من ندوات حوارية وثقافية وتوعوية، وضم المعرض قطعا فنية تحاكي بقدمها وأصالتها تراث سوريا وهويتها الثقافية، حيث عرض أكثر من مئتي قطعة، وتم جمعها وتنسيقها بعناية واهتمام من قبل عضوات المنظمة، اللواتي ساهمن بتلميع بعض القطع وتنظيفها، ومنهن من جلبن بعضا منها من منازلهن، ولاقى المعرض إقبالا واستحسانا من الأوساط الثقافية ومن عشاق الأنتيكا.
جمع القطع القديمة من العادات الشعبية الجميلة، كونها تعبر عن أصالة وعراقة الماضي، والوقت الثمين الذي هدر في صنعها، لتضاهي بجودتها وجمالها عمن سواها، وتكون خالدة في أذهان من يراها، علها تعيدنا للزمن الجميل، زمن البساطة والرقي بعيدا عن الحروب والدمار.
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري