سناء علي – السفير
كان مشوار الصباح بالنسبة إليهم بمثابة نزهة تحت شمس يومٍ ماطر… ثلاثة صبية خرجوا يلهون بالفقر ويجمعون «العيدان» اليابسة لحرقها والتنعّم بقليل من الدفء.
المنطق يقول إن أطفالاً بأعمارهم يجب أن يكونوا في مدارسهم، لكن الواقع يفرض رأيه قسراً بأن يجوب الفتية الشوارع بالقرب من منطقة سكنهم العشوائية «جبل الرز» ليساعدوا عائلاتهم في توفير مصدر للدفء، في ظل الظروف الاستثنائية التي تعاني منها غالبية السوريين عموماً، وسكان العشوائيات خصوصاً، فساعات التقنين الكهربائي تقارب الـ15 ساعة يومياً، ما يجعل التدفئة بواسطة الكهرباء شبه مستحيلة، إلى جانب ارتفاع سعر المحروقات الذي صعّب على العائلات ذات الدخل المحدود، وتلك المضطرة للسكن في أماكن مشوبة بمظاهر الفقر والحاجة والبؤس، الحصول على مصدر لبعض الحرارة.
في سوريا اليوم الكثير من الصغار المحرومين حتى من أبسط الأشياء الأساسية. ففي الداخل السوري تسبب العنف الذي فرضه واقع الميليشيات المسلحة وتهجير السكان والنزوح، ودمار المدارس جزئياً أو كلياً، أو إشغال معظم المدارس الواقعة في المناطق الآمنة بالوافدين، واكتظاظ الفصول الدراسية بأعداد أكبر من طاقة استيعابها، بالإضافة إلى الفقر وصعوبة الوضع الاقتصادي، وانعدام الشعور بالأمان، والتوترات المجتمعية، في إبقاء الأطفال بعيداً عن الدراسة، في حين يرى معظم الآباء أنه ليس لديهم خيار سوى الإبقاء على أطفالهم في المنزل بدلاً من المخاطرة بإرسالهم إلى المدرسة، هذا إذا كان الآباء موجودين أساساً.
في أماكن السكن غير المنظّم، سيدهشك كمّ الأطفال والأسر التي ليس لها معيل (سوى الله) على حد تعبيرهم. لقد جعلت هذه الحرب الملعونة من أولئك الصغار آباء قبل أن يعرفوا ماذا تعني الطفولة. نقل المياه وجلب الخبز والبيع على البسطات في الشوارع والتسوّل ومسح زجاج السيارات عند إشارات المرور والعمل كصبيان توصيل في السوبرماركات وغيرها الكثير من الأعمال المشابهة كلها باتت أسلوب حياة لا يعرف معظم الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو ابتعدوا عنهم بسبب الحرب غيرها اليوم، ولتجعل منهم كل هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية المحيطة بهم عرضةً لسلوك عدوانيّ أو طبيعة نفسية غير مستقرة، وتدفع بهم نحو التصرف كأشخاص بالغين حارمةً إياهم في كثير من الحالات من حقوقهم كأطفال.
بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة ــ «اليونيسيف» نهاية شهر تشرين الثاني العام 2014 في ما يخص الوضع في سوريا، فإن «ثلاث سنوات ونصفا من الصراع، شتتت أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري بين لبنان والأردن والعراق وتركيا ومصر، وشردت 6.5 ملايين شخص آخر داخل سوريا، أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين هم أطفال إجمالا، في حين تأثر 6.5 ملايين من الأطفال بالأزمة»، وقد يصل هذا العدد إلى أكثر من 8.6 ملايين طفل بحسب بيان صادر عن ماريا كاليفيس، مديرة اليونيسيف الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 18 كانون الأول العام 2014.
ويضيف التقرير: يعتبر الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة أكبر مجموعة سكانية بين اللاجئين السوريين، وتواجههم عقبات عديدة للوصول إلى التعليم، ونتيجة لذلك، كثير منهم خارج المدرسة، وكثر يشعرون بانعدام الأمن والأمل والحزن والقلق على مستقبلهم، فيما الغضب والإحباط اللذان يشعرون بهما نتيجة المحنة التي يعيشونها يجعلان استدراجهم من قبل المجموعات المسلحة أمرا سهلاً.
أخصائيو علم النفس البيئي يرون أن البيئة هي أهم عوامل تشكل فكر الإنسان كونها تمثل أول اتصال له مع العالم الخارجي ومن خلالها يتعرف على العالم المحيط. مؤشر رقي وتنظيم هذه البيئة ينعكس إيجاباً على الفرد، بينما تؤدي الفوضى العمرانية في مناطق السكن العشوائي إلى التشويش بسبب فقدان هوية واضحة للمكان وفقدان الخصوصية. التلوث السمعي والبصري وزيادة الأمراض الجسمية والاجتماعية والنفسية بين سكان هذه المناطق يؤثران أيضاً في نفسية الأطفال نتيجة حصرهم في بيئة مغلقة، كما يزيدان احتمال انتشار الجريمة والسرقة وانخفاض المستوى التعليمي وازدياد التسرب المدرسي.
يلهو أطفال السكن العشوائي في ضواحي دمشق بأحلامهم في الأزقة الضّيقة وينامون في أحضان كارثة إنسانية حقيقية تتربص بمستقبلهم إذا استمرت الأوضاع على حالها حتى أمد طويل، وقد تكون وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة «اليونيسيف» العالمية هما أكثر من يحاول تجنيب هذه «المجتمعات» ما قد يسبب جوائح مرضية أو انتشارا للأوبئة من خلال تسيير حملات جوالة بين سكان العشوائيات لاستكمال لقاحات أبنائهم تحسباً لأن يكون الأهل لا يعرفون أين تقع المراكز الصحية في مناطقهم أو أنهم خرجوا من منازلهم وليس لديهم الوثائق الصحية الخاصة بالأطفال.