وبعد استعراض حرس الشرف لأكثر من دقيقة في الباحة الخارجية، دخل الأسد إلى قصر الشعب، وتحديداً إلى قاعة مزدحمة بمجموعة من النواب والشخصيات التي تحظى بثقة النظام، ليلقي خطاباً على مدى أكثر من ساعة، فيما كانت دمشق تشهد منذ ساعات الصباح الأولى انتشاراً أمنياً مكثفاً تخلله إغلاق الطرق المؤدية إلى مجلس الشعب، في منطقة الصالحية فضلاً عن سقوط قذائف هاون عديدة على دمشق، مجهولة المصدر، إذ سقطت قذيفة في محيط ساحة المحافظة، وأخرى عند البرج الفرنسي في منطقة السبع بحرات.
ولم يحمل خطاب الأسد جديداً باستثناء اعترافه لأول مرة بقتال حزب الله داخل سورية والذي وجه له التحية، وكذلك لإيران وروسيا، فضلاً عن محاولته تجيير ما يحصل في المنطقة لصالح رؤية النظام لما جرى في سورية، بأنه مؤامرة كونية تجري بأدوات إقليمية، على غرار ما يفعل في جميع خطاباته.
واستهل الأسد خطابه بالحديث عن الانتخابات التي اعتبرها انتصاراً لنظامه، مستشهداً خصوصاً بما اعتبره إقبالاً كثيفاً من السوريين في الخارج على المشاركة في هذه الانتخابات، والتي أثارت حنق من وصفهم “بالخانعين في المنطقة العربية الذين لم يألفوا الديمقراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع، بل ألفوا فقط القمع والذل وتصدير الإرهاب”، متناسياً أنه مسؤول عن مقتل أكثر من مائتي ألف من مواطنيه.
وأرجع الأسد جزءاً كبيراً من الأزمة في سورية إلى “غياب الأخلاق” في المجتمع، معتبراً أن “غياب الأخلاق” هو السبب الرئيسي لخروج الناس على الدولة، بينما من تلقى تربية حسنة في بيته، قاتل إلى جانب الجيش ووقف مع الدولة.
ولم يكن صعباً ملاحظة أن هاجس الأسد أو كاتب خطابه، الحرص على التأكيد بأن نظامه باق، ولن تكسره “إمبراطوريات الإعلام والنفط “، وأن قسوة الظروف تزيده صلابة.
وفي سياق هذه “العقدة” إزاء دول الخليج تحديدا، كرر الأسد القول بين عبارة وأخرى بأن البلاد ليست نفطاً فقط، بل هي ببعدها التاريخي والحضاري، وإن ما جرى في سورية لا يستهدفه شخصياً، بل يستهدف بنية الوطن، والإسلام الصحيح، ورأى أن الهدف البديل عند الغرب وبعض العرب في الوقت الراهن هو استنزاف سورية.
ولم يفلت من هجومه رئيس الحكومة التركية، رجب طيب إردوجان، الذي اتهمه بممارسة “العنتريات الفارغة لأنه يحلم بالصلاة في المسجد الأموي وليس المسجد الأقصى، ويقف اليوم صامتاً إزاء ما يجري من عدوان على غزة”.
وتناسى الأسد أن نظامه لم يحرّك أياً من قطع الجيش السوري باتجاه غزة. بل لم يرد ولا مرة على الغارات المتواصلة التي تقوم بها الطائرات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وآخرها قبل يومين على منزل محافظ القنيطرة، مكتفياً بإعطاء جيشه مهمة قمع شعبه وتدمير سورية وإسقاط البراميل المتفجرة يومياً على رؤوس المدنيين.
كما حاول الربط بين ما يجري في غزة وما يجري في سورية، معتبراً أن كلا الأمرين ضمن مخطط واحد. وميز “بين الشعب الفلسطيني المقاوم، وبعض ناكري الجميل الذين يلبسون قناع المقاومة حسب مصالحهم”، في إشارة إلى حركة حماس التي نأت بنفسها عن النظام بعد أن أوغل في دماء شعبه.
كذلك حاول الأسد توظيف اختلاط الأمور في المنطقة من سورية إلى العراق وغزة، بأنه إثبات لنظرية المؤامرة التي حذر منها نظامه منذ البداية، مجدداً التهديد بأن الدول التي تدعم الإرهاب ستدفع الثمن غالياً وأن الشعوب الأخرى ستتعرض عاجلاً أو آجلاً للإرهاب بسبب قصور تفكير حكامها بحسب قوله.
وكما فعل في خطابات سابقة، قسم الأسد المواطنين إلى شرفاء وخونة. وقال إن من لا يحمي الوطن ينتمي إلى الخونة ولا يستحق العيش في الوطن، في إشارة إلى ملايين المواطنين السوريين في الخارج الذين هربوا من بطش النظام أو من سوء الأوضاع الأمنية في بلادهم.
وأوضح أن نهج نظامه في المرحلة المقبلة سيقوم على دعامتين، ضرب ما سماه “الإرهاب”، أي مواصلة الحرب مع المعارضة المسلحة، والمضي في المصالحات الوطنية، أي تلك التي يعقدها النظام مع بعض المناطق في ريف دمشق تحديداً، لرفع الحصار عنها، مقابل خروج المقاتلين أو تسليم سلاحهم، مكرراً دعوته لمن “غرر به” لإلقاء السلاح والعودة إلى حضن الوطن.
وفي سياق هذا التقسيم، قال الأسد صراحة إن البلاد “نظفت” نفسها “من الخونة والعملاء”، معتبراً أن من بقي في البلاد وقاتل مع الجيش، هو مواطن شريف، ومن قاتل ضده أو غادر البلاد، فهؤلاء عملاء “لا مكان لهم ولا مكانة في سورية”.
وأردف الأسد بأن المصالحات لا تحل محل ما سمّاه الحوار الوطني حول مستقبل الوطن وشكل الدولة، والذي قال إنه يتواصل مع الأحزاب الوطنية وقوى المجتمع، وليس مع القوى التي أثبتت عدم وطنيتها وراهنت على الخارج، ثم عادت إلى الوطن بشكل انتهازي، في إشارة إلى مجموعات من السوريين التحقت بالمعارضة ثم عادت إلى سورية.
أما ممثلو المعارضة السياسية الذين سماهم بالعملاء علناً، فقال الأسد إن الحوار معهم سيكون بوصفهم ممثلين للدول التي تدعمهم وليس بوصفهم سوريين، متوعداً باستعادة المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وخص بالذكر الرقة وحلب.
وتناسى الأسد آلة التدمير التي يديرها والتي لم تتوقف يومياً عن هدم المزيد من الأحياء والمباني على رؤوس ساكنيها، قائلاً إن إعادة الإعمار ستكون عنوان المرحلة المقبلة.
وأشار إلى أن هذه العملية ستبدأ من منطقة كفرسوسة في دمشق، وذلك بتشجيع الأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة متوقعاً أن ينجز العمل حتى نهاية العام.
وخيّب الأسد توقعات بعض أنصاره والمواطنين في الداخل بأن تكون هناك زيادة في الرواتب بمناسبة تأديته اليمين، وقال إن الحروب تفرض واقعها وأولوياتها، وحدد الأولويات في المرحلة المقبلة، بأنها ستكون لدعم الجيش وأسر الضحايا والمخطوفين والمهجرين ومن فقدوا أرزاقهم.
– See more at: http://www.alaraby.co.uk/politics/083296bc-1546-4820-89d8-9f23e9c3f27b#sthash.xyGB9dGf.dpuf