حادثة الرمثا يوم الخميس الماضي، والتي أدت إلى استشهاد مواطن أردني وإصابة أربعة آخرين، إثر سقوط قذائف سورية على سوق تجارية وسط المدينة، تشكل نقطة تحول قد لا تمر كمجرد حادثة عرضية، مثل الحوادث السابقة التي تعرضت لها الرمثا والعديد من البلدات والقرى الشمالية الأردنية منذ بدء الأزمة السورية. يحدث ذلك مع تغير ميزان القوى في الجنوب السوري، إلى جانب احتمالات واسعة بتحولات درامية في المشهد السوري على مدى الأشهر الباقية حتى نهاية العام.
تزامن هذا الحادث، الذي يشي بوصول النيران السورية إلى المجال الأردني، مع سلسلة من التطورات المهمة التي أخذت تشكل المشهد من جديد؛ سواء على مستوى جنوب سورية، أو على مستوى الأزمة السورية بشكل عام، أو على مستوى الردود الأردنية والإقليمية والدولية. فعلى مدى السنوات الماضية، تعرضت الرمثا وسما السرحان وأم السرب والطرة والأكيدر، ومناطق حدودية، لقذائف سورية، كان معظمها يسقط في مواقع خالية من السكان، وسجلت إصابات محدودة. ومعظم تلك القذائف كان مصدرها الجيش الحر، أما في الحادثة الأخيرة التي وقعت في وسط مدينة الرمثا، فتزداد المؤشرات على أن مصدر القذائف هو القوات النظامية.
الدلالات الاستراتيجية لهذه الحادثة تقرأ في ضوء الاشتباك الجديد فيما سمي “عاصفة الجنوب”؛ إذ تسعى فصائل من المعارضة المسلحة إلى السيطرة على مدينة درعا التي شهدت الشرارة الأولى للثورة السورية. ويشارك في هذه الاشتباكات أكثر من 51 فصيلاً مقاتلاً، أبرزها حركة المثنى الإسلامية، وحركة أحرار الشام، وجبهة النصرة. وتأتي هذه العملية القتالية الواسعة بعد مرور أكثر من شهر على استيلاء قوات من المعارضة المسلحة على معبر نصيب الحدودي، تلا ذلك تقهقر قوات النظام أمام تنظيم “داعش” في مدينة تدمر في الصحراء الجنوبية.
ماذا تعني هذه التطورات من المنظور الجيو-استراتيجي بالنسبة للأردن؟ الدلالة الأولى، هي أن الجنوب السوري في العمق وفي المجال الحيوي الأردني، يشهد عمليات تفريغ متتابعة، وبسرعة، لقوات النظام السوري. بعضها جاء تحت ضربات المعارضة المسلحة، وانسحابات وعمليات تفريغ أخرى غامضة وغير مفهومة لهذه اللحظة. فيما الدلالة الثانية، أن التفاهمات التي صبغت السنوات الماضية على طول الحدود الأردنية-السورية، سواء مع الجيش النظامي أو مع الجيش الحر، انتهت عمليا. وتتمثل الدلالة الثالثة في أنه منذ هذه اللحظة، نحن أمام بيئة رخوة استراتيجيا، وتزداد هشاشة يوما بعد يوم، على طول 375 كلم، تشكل الحدود بين البلدين. وأبرز ملامح هذه الهشاشة وجود عشرات التنظيمات المسلحة التي لا توجد أي ضمانات على صمود التفاهمات فيما بينها لمدة شهر واحد، في الوقت الذي ستبقى قوات النظام، ولوقت ليس بالقليل، قادرة على خلق اشتباكات دامية مع هذه التنظيمات على طول الحدود، ما يعني بالنتيجة أننا أمام احتمالات واسعة لتكرر حادثة الرمثا الأخيرة، وبشكل مستمر.
إحدى القراءات التي تستحق التوقف أمامها اليوم، تقول إن النظام السوري توصل إلى قناعة بجر الأردن إلى خطوط الاشتباك في الجنوب السوري. وتذهب هذه القراءة إلى أننا سنشهد في الأسابيع القادمة تقدما لقوات تنظيم “داعش” صوب الجنوب السوري، بعدما تخلى النظام السوري عن تدمر، وتركها للتنظيم في عملية غامضة، فيما سيتوالى سقوط قذائف طائشة وغير طائشة على البلدات الأردنية.
يملك الأردن خيارات عديدة للردع والدفاع عن أراضيه وسلامة مواطنيه. واليوم، فإن الرهان على الردود الأردنية ونمط الاشتباك الذي ستذهب إليه، وكيف ستبنى معادلات الكلف والخسائر الأردنية في بيئة هشة، لا هوية استراتيجية لها، قد تكون مغرية من زاوية، لكن كلف التورط فيها ستكون أكثر عشرات المرات من المواجهات التقليدية.
الغد الاردنية – باسم الطويسي