” خلف ” أسمر اللونِ نحيلُ الجسم، لا تفارق بسمتهُ ثغره، فينشر الابتسامةَ بين الناس، لم يكن خلف يعرف شيئاً عن السياسة و دهاليزها، لكنه قاسى مرارة التشرد والهجرة والقصف، خلف ذو العشرة أعوام، أحد المهجرينَ قسراً إلى الشمالِ السوري، كان ذو عقلٍ راجح رغم صغر سنه، فالحياةُ هي المدرسةُ الأولى.
يحكي ” خلف ” عن حياته اليومية، وعملهِ الذي لا يكادُ أن يجني منه سوى بعض ما يقتاته مع عائلته، “في كل يوم، ننزل أنا وأخي “فادي” إلى الشارع (في مدينة سرمدا ومخيمات كفرلوسين)، نقصدُ المحالَ التجارية، والسياراتِ والمكاتب، ونقوم بأعمال (مسح البلورِ والتنظيف)، لكن ما كان يجنيه قليلٌ جداً، فبرغمِ عمله المتعب، كان يأخذ أجراً قليلاً مقابله (ربع ليرة تركية)، وعند الحظ الوافر يحصل على (ليرة واحدة).
“كنت أجني في اليوم (خمس ليراتٍ تركية) تقريباً، بعد عملي بعدد من المحال التجارية،
كانت تكفينا تلك الخمس ليرات ثمناً للخبز وبعض الخضار، يتحدث ” فادي ” بغصة وحرقة “لقد حصلت على خمس ليراتٍ اليوم مقابلَ مسحي لزجاج خمس سيارات”، (لكن فرحتي لم تكتمل) “فأطفالُ المخيمِ أخذوها مني بعد ضربي وإرهابي”.
لم يستسلم “خلف” وأخوه، حيثُ كانوا رجالَ تلك الأسرة، يعملون ويصرون على العمل رغم أجرته القليلة، كما أنهم أصروا على العمل وعدم ممارسة مهنة التسولِ أو السرقةِ كما فعل أطفال الحيّ مع فادي الصغير، كان “خلف” و أخوه واجهةً ووسيلةً لنقل معاناة الكثير من الأطفال، من غيبت الحرب آبائهم، أو ممن قهرتهم الظروفُ، لكن تلك الحالات للأسف كانت لا تلقى الدعم حتى تظهر للإعلامِ، وعندما تظهر، يتهافت الجميع ويتسابق على إيصال الدعم لهم والتصوير والتفاخر بذلك.
لكن ماذا عن المجهولين؟ عن الأيتام والمعاقين الذين لم تصل لهم عدسات الكاميرا؟ ولماذا لا تتحد الجهود وينسق الدعم نحو العوائل التي تقطن تحت خط الفقرِ وتأكل من النفايات وفضلات الناس؟ الأولى عن المشاريع الضخمة التي تقوم بها المنظماتُ والتي تصنف أنها ليست ذاتَ أهمية كبيرة، فبطون الجائعينَ أولى بالدعم والرعاية.
بقلم : ريم مصطفى