يمسك بيده أوراق ملكية منزله ومعمل الألبسة الذي كان يملكه، يمزقها قطعا صغيرة ثم يقوم برميها داخل مدفأة الحطب لتأكلها النار وتأكل معها ذكريات الأيام الرغيدة في سوريا، أبو أمجد ( 63 عاما ) يستيقظ صباحا ليتجه إلى مكانه المعتاد في الحديقة العامة في مدينة غازي عنتاب ليفتح بسطته الصغيرة الحاوية على مجموعة من ألبسة الأطفال لا تتجاوز بضع كنزة، وبضع ألعاب للأطفال، فهذه هي المصدر الحالي لقوت عائلته.
يشرح أبو أمجد أنه كان بوسعه أن ينقل آلات معمله ومعداته واستئجار معمل صغير كما فعل رفقائه بالعمل، لكنه لم يستطع ترك مدينة حلب، إلى أن طال القصف كامل المنطقة التي كان منزله فيها بالإضافة لتدمير شبه كامل للشيخ نجار المنطقة الصناعية التي تعد من أكبر المناطق الصناعية في سوريا وتمتد على مساحة 4412 هكتارا وتضم مئات الشركات المختلفة في قطاعات النسيج والهندسة والكيمياويات والصناعات الغذائية والخدمات.
وكما هو معروف عن مدينة حلب أنها المدينة الصناعية الأولى في سوريا، فهي تؤمن حوالي 70% من صادرات البلاد وتشغل نصف القوة العاملة في القطاع الصناعي، وتنتج قرابة 35% من صادرات البلاد من منتجات الصناعة التحويلية
وتضم المدينة ألف شركة صناعية كما تنتج 60% من حاجيات سوريا من المواد الصيدلانية و35% من منتجات النسيج.
وإلى جانب دمشق واللاذقية، تعتبر حلب عماد سوريا في التصدير إلى كافة الدول العربية والأوروبية، ومنها تركيا حيث كانت قيمة الصادرات إلى تركيا وذلك بحسب نتائج بعض الدراسات في عام 2010 بلغت 1.8 مليار دولار، وفي عام 2012 بلغت 0.5 مليار دولار، أما في عام 2015 فقد بلغت 1.9 مليار دولار، ويعود ارتفاع قيمة الصادرات في عام 2015 إلى زيادة النشاط التجاري على طول الحدود مع تركيا وذلك بعد سيطرة قوى المعارضة على المعابر الحدودية مع تركيا.
أما قيمة الصادرات في سوريا بشكل عام قد انخفضت ففي عام 2011 وصلت إلى 3.5 مليار دولار، وفي عام 2012 وصلت إلى 1.2 مليار دولار، أما عام 2015 فقد بلغت 2.2 مليار دولار، وتعود معظم أسباب تراجع التجارة الخارجية إلى الخلافات السياسية والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى تجميد أرصدة المصرف المركزي في أوروبا.
فضلا عن ارتفاع تكاليف النقل وخطورة الطرقات التي أدت بدورها إلى تخلي البعض عن نقل معاملهم إلى مناطق آمنة نسبيا، أما من حالفه الحظ وتمكن من نقلها سواء إلى هذه المناطق الآمنة داخل سوريا أو إلى الدول المجاورة كتركيا ومصر، فلم يستطع من تقليل الأضرار التي لحقت به، بل في بعض الأحيان كانت سيئة لدرجة أنها أجبرت البعض على إغلاق مصانعهم بسبب الخسائر التي لحقت بهم كما حصل مع بعض أصدقاء أبي أمجد.
أبو أمجد كثير الشرود والنظر إلى الأفق فما يزال يأمل بفتح معمل آخر بدل الذي دمرته طائرات النظام وبراميل حقده، وذلك بدءا من بسطته الصغيرة كما بدأ منها في حلب.
المركز الصحفي السوري – يارا زيتون