فقد تبين أن الدجاج المدجن يمكن أن يكون علامة يعتمد عليها علماء الآثار في المستقبل لإثبات أن البشر عاشوا في هذا المكان. ففي الواقع، يتجاوز الوزن الإجمالي لهذه الحيوانات المدجنة وزن جميع الطيور البرية مجتمعة، بل إن هذا الدجاج يحمل مخلفات الزراعة الصناعية حتى في تكوين عظامه.
واستند تقرير موقع “لايف ساينس” إلى دراسة جديدة أشرفت عليها الباحثة كاريس بينيت ونشرت مؤخرا في مجلة الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة، وقالت فيها إن “هذه الظاهرة تعتبر نموذجا حقيقيا على تمكن الإنسان من تغيير محيطه الحيوي حتى يتلاءم مع احتياجاته الإنسانية. وبالتالي، قد تمثل حفريات عظام الدجاج عصرا جيولوجيا جديدا”.
الدجاج يغزو العالم
تعد كاريس بينيت من أبرز علماء الجيولوجيا في العالم، وهي مهتمة رفقة زملائها بالعثور على علامات عصر جديد محتمل في التاريخ الجيولوجي، يعرف بالأنثروبوسين. وتحيل هذه التسمية إلى بداية تأثير الإنسان على الجيولوجيا والنظام البيئي لكوكب الأرض بعدة أشكال، من بينها تغير المناخ نتيجة التلوث الصناعي.
وأوضحت الكاتبة أن فكرة وجود عصر الأنثروبوسين لا تزال محل جدل كبير، وهي تعرف رسميا على أنها الفترة التي أصبح فيها البشر القوة الرئيسية المؤثرة في بيئة الأرض. وحسب بينيت، تكمن الشروط الأولى لوجود هذا العصر في المؤشرات الأحفورية.
وتمثل هذه المؤشرات في الواقع الحفريات التي يمكن العثور عليها في العالم خلال عصر معين. وتكون خاصة بما يكفي لتمييز تلك الحقبة الزمنية وجعلها مختلفة عما قبلها وما بعدها من فترات.
وحسب الكاتبة، قد يمثل الدجاج المؤشر الأحفوري على وجود عصر الأنثروبوسين. وتعد الأرقام علامة كافية للدلالة على هذا الأمر، حيث يوجد على سطح الأرض اليوم قرابة 21.4 مليار دجاجة مدجنة على قيد الحياة، مما يعني أن أعدادها الأكبر من بين كل أنواع الطيور في العالم. ويبلغ الوزن الإجمالي للدجاج أو كتلته الحيوية 11 مليار رطل (أي نحو 5 مليارات كيلوغرام). ويمكن إيجاد الدجاج في كل أنحاء العالم، حيث استهلك البشر نحو 62 مليار دجاجة عام 2014 فقط.
وأوضحت بينيت وزملاؤها من الباحثين أن جلّ عظام الدجاج ينتهي به الأمر في مكب النفايات، حيث تكون مستويات الأكسجين منخفضة، والمحيط ملائما للحفاظ على العناصر العضوية لهذه البقايا. ويعني ذلك أن الدجاج من المحتمل جدا أن ينتهي به الأمر إلى التحجر والبقاء على حاله في سجل الحفريات.
يُحتمل جدا أن الدجاج ينتهي به الأمر إلى التحجر والبقاء على حاله في سجل الحفريات (الجزيرة) |
تغيرات الدجاج
في حال عثور علماء المستقبل فعلا على بقايا متحجرة من عظام الدجاج الموجود اليوم، فسيستنتجون بسرعة أن هذه الكائنات التي عثروا عليها لم تكن من صنع الطبيعة. فقد حللت بينيت وفريقها عظام سيقان الدجاج انطلاقا من قاعدة بيانات عظام الحيوانات التي عثر عليها في لندن. ويعود أصل هذه العظام إلى العصر الروماني الذي انطلق عام 43 قبل الميلاد.
ويتميز الدجاج في ذلك العصر بأنه كان صغير الحجم ويشبه إلى حد كبير السلالة البرية، وهو دجاج الأدغال الأحمر. وقد اكتشف الباحثون أنه في عام 1340 تقريبا، بات الدجاج المدجن أكبر حجما، وهذا على الأرجح نتيجة لتجارب التربية الانتقائية في ذلك الوقت.
وذكرت الكاتبة أنه في عام 1950 تقريبا، أخذت قياسات عظام الدجاج تتغير. ففي الواقع، يعد عظم ساق فروجاللحم من العصر الحديث أكثر سمكا بثلاث مرات وأكثر طولا بمرتين من عظم ساق دجاج الأدغال الأحمر، في حين أن الدجاجة اليوم أكبر حجما بأربع أو خمس مرات من نفس فصيلة الدجاج عام 1957. وتعتبر العالمة بينيت أن هذا الأمر مذهل فعلا.
ولا يعتبر الدجاج الضخم الموجود اليوم وليد الصدفة، بل هو نتيجة للمنافسة التي شهدها السوق عام 1948، التي عرفت بشعار “دجاجة المستقبل”، والتي شهدت دعوة لمربي الدجاج من أجل إنتاج طيور أكبر حجما وتنمو بشكل أسرع. وينمو دجاج التسمين الموجود اليوم بشكل سريع جدا، إلى درجة أن عظامه أصبحت أكثر هشاشة من الدجاج البري. وبالتالي، يذبح هذا الدجاج عادة في غضون سبعة أسابيع، خاصة أنه لا يمكنه أن يعيش أكثر من ذلك، إذا ترك ليصبح حجمه أكبر.
سيكون باستطاعة علماء الجيوكيمياء في المستقبل تحديد النمط الغذائي لدجاج اليوم، الذي يرتكز على تناول الحبوب، وذلك انطلاقا من الجزيئات التي تكوّن عظام هذه الحيوانات. وإذا أمكن لهؤلاء العلماء النظر في تسلسل الحمض النووي انطلاقا من حفريات عظام الدجاج، سيكتشفون تغيرات في بعض الجينات، على غرار الطفرة التي تُمكّن الدجاج المدجن من التزاوج على مدار العام وليس فقط خلال فصل معين.
وأشارت الكاتبة إلى أن اللجنة الدولية لعلم الطبقات -المكونة من مجموعة من العلماء من أنحاء العالم- تعتبر المسؤولة عن تحديد الفترات الزمنية والعصور والعهود التي يعتمد عليها الباحثون لفهم تاريخ الأرض. ويبدو أن عصر الأنثروبوسين يجب أن يُعترف به بشكل رسمي حتى يصبح معتمدا، علما بأن هذا المسار يمكن أن يستغرق عدة سنوات. ولكن هناك علامة تبشر بأن الأنثروبوسين يمكن أن يكتشف من خلال سجلات الصخور التي تعود لآلاف السنين.
وحسب بينيت، قد يضاف الدجاج أيضا إلى قائمة من المؤشرات الدالة على سمات العصر الصناعي الذي نعيش فيه حاليا.
وقالت إنه “بما أن تعداد الدجاج في تزايد مستمر، والأمر ذاته ينطبق على تعداد البشر، إضافة إلى تزايد كمياتالبلاستيك التي نستخدمها، وكميات الوقود الأحفوري الذي نحرقه، تخدم هذه الظروف توجه العلماء إلى اعتبار أننا نعيش حاليا في حقبة الأنثروبوسين التي يمكن افتراض أنها بدأت عام 1950″.
المصدر : الصحافة الأميركية