على الرغم من استمرار المعارك في مختلف المناطق السوريّة والانقسام وفقاً للولاءات السياسية والعسكرية فإن سوريا لم تشهد حالات منع سكّان نازحين من الوصول إلى منطقة آمنة، أو فرض قيود على دخولهم، وإن كان لنا أن نستحضر استثناءات في هذا الإطار فإنها تُنسب إلى الإدارة الذاتية الكردية التي قامت بذلك أكثر من مرّة تجاه النازحين العرب القادمين إليها هرباً من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ولا سيما أن النسبة الأكبر من عمليات النزوح هذه تأتي على خلفية هجوم الوحدات الكردية على المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ما يدفع بالأهالي للنزوح إلى مناطق أكثر أمناً.
إجراءات تشبه “التأشيرة”
في شهر آب من العام الماضي فرضت “وحدات حماية الشعب” الكردية شروطاً على دخول النازحين العرب إلى مناطق سيطرتها بدواعي “حفظ الأمن في مناطقها”، ويشبّه الناشط الصحافي “مصعب الشيخ” هذه الإجراءات بشروط التأشيرة التي وضعها لبنان على دخول السوريين إلى أراضيه، كونها نصّت على ضرورة أن يكفل مواطن كردي كل نازح عربي يريد الدخول إلى مناطق الإدارة الذاتية، ويكون مسؤولاً عن كافة تصرّفاته، ولفت “الشيخ” إلى أن تطبيق القرار شمل مناطق (عين عرب، وعفرين، والحسكة).
وأضاف في حديثه لـ صدى الشام إلى أنه نتيجة لتزايد الضغوط الإعلامية ضدّ الإدارة الذاتية بعد اتخاذ هذا القرار فقد تراجعت عنها أمام وسائل الإعلام لكنّها تطبقته بشكلٍ سري، مشيراً إلى أن الإدارة اتجهت لاحقاً إلى منع مدنيين من الدخول والسماح لآخرين حسب مزاجها، وذلك بعد تفتيش شديد وتقصٍّ حول النازح الساعي للحصول على الأمان في مناطقها.
واعتبر أن مثل هذه المحاولات تدخل في نطاق عملية “التغيير الديموغرافي” وذلك عبر إدخال كميات “مدروسة” من المواطنين العربي بحيث لا تصبح هذه المناطق مختلطة وتفقد صبغتها الكردية التي اتخذتها خلال “الأزمة” السورية.
توثيق لعمليات التهجير
وثّقت “صدى الشام” أبرز حالات منع دخول المدنيين إلى مناطقها خلال فترات النزاع بين الوحدات الكردية وتنظيم “داعش”.
ففي شهر شباط من عام 2016 أي قبل نحو عام من هذه الفترة اتجهت الإدارة الذاتية إلى منع النازحين من الدخول إلى مناطقها، إضافةً إلى الزوّار دون وجود حجّةٍ واضحة.
ووفقاً للناشط مصعب الشيخ فإن النقاط التي تفصل مناطق الإدارة الذاتية عن المناطق التابعة للمعارضة السورية وتنظيم داعش شهدت طوابير لعددٍ كبير من المدنيين استمرّت لأيامٍ بسبب منع دخولهم هذه المناطق.
أبو مصطفى هو أحد الأشخاص الذين مُنعوا من الدخول أكثر من مرّة، يقول لـ صدى الشام: “جعلوني أنتظر لمدّة ثلاثة أيام في منطقة على مداخل مدينة عفرين بريف حلب، وكانت المعاملة سيّئة جداً خلال وقوفي هناك”. وأضاف: “أبلغتهم أنني لست نازحاً وأودّ زيارة ابني الذي يعيش هناك لكنهم رفضوا بشكلٍ قاطع إدخالي”، مشيراً إلى أنّهم طلبوا منه الانتظار، وانتظر لفتراتٍ طويلة في المنطقة مع مئات الأشخاص ليأتي القرار النهائي برفض الدخول، وطلبوا منه ومن كل الموجودين العودة من حيث أتوا.
وأوضح أبو مصطفى أن ظروف الانتظار كانت لا تطاق حيث صادورا الهواتف المحمولة منعاً لأي عملية توثيق لطوابير المدنيين المنتظرين هناك، وسمحوا بإجراء المكالمات من بقالية هناك بمبلغ 800 ليرة للدقيقة الواحدة، وهو رقم مرتفع كحال الطعام الذي يُباع للمنتظرين.
وخلال مرحلة فرض شرط “الكفيل” مقابل الدخول تمكّنت امرأة من ريف حلب من تأمين كفيلٍ لدخولها بمقابل مادي، لكنه بعد أن أخذ المبلغ منها تراجع عن كفالتها أمام قوى الأمن في مناطق الإدارة الذاتية المعروفة باسم “آسايش”.
وقالت المرأة التي رفضت الكشف عن هويتها لـ”صدى الشام”: “إن الشخص الذي كفلها طلب منها مبلغ 7 آلاف ليرة، وبعد أن منحته إياها خلال تسجيل الكفالة، تراجع عن موقفه وقال إنه لا يريد كفالتي، مشيرةً إلى أنها أخبرت القوى الأمنية أنها دفعت له المال فكان الرد أنهم لا يستطيعون إجبار مواطن على كفالة أي شخص يريد القدوم، وأضافت أنها عندما رأت وقوفهم إلى جانب الكفيل وفقدت الأمل في الدخول لزيارة أقاربها فعادت أدراجها إلى المنطقة التي أتت منها.
وقبل ظهور هذه الحالات، كانت تقارير إعلامية أكدت أن الإدارة الذاتية قامت بمنع دخول النازحين أو الزوار وخاصة العرب منهم إلى مناطقها وهو الأمر الذي زاد معاناة النازحين الذين تركوا منازلهم بحثاً عن ملاذٍ آمن.
مخالفة القوانين
المحامي ربيع أبو غزال، المقيم في المناطق المحرّرة بسوريا قال لـ صدى الشام: “إن أي إجراء فيه منع مواطنين يحملون الجنسية السورية من التنقّل داخل الأراضي السورية بغض النظر عن عرقهم أو انتمائهم هو مخالف للقانون قطعاً”.
وأضاف أبو غزال أن أي شخص يحمل الجنسية السورية يحق له التنقل ضمن أراضي بلاده، وأن أية حالة لمنعه من ذلك هو انتهاك لأحد حقوقه الرئيسة، وتعدٍّ من قبل هذه الميليشيات على جزءٍ من الأراضي السورية كونها لجميع المواطنين السوريين.
واعتبر أن هذه الإجراءات التي تتذرع للوحدات الكردية بأنها تأتي لحماية مناطقها من تنظيم داعش، لا تُعتبر تبريراً منطقيّاً كافياً لمنع مئات المدنيين من النازحين والزائرين من الدخول، وتابع: “إذا كانت فعلاً حريصة على حماية مناطقها من داعش فمن حقّها وضع آلية أمنية للتأكّد ممن هو مدني أو مقاتل سابق دون أن تسبب الضرر للمدنيين، لكن منع دخولهم من الأساس يزيد من احتمالية الاتهامات الموجّهة ضد الوحدات الكردية بأنها عنصرية ولا تملك مشروع سوري”، وفق قوله.
تخطيط للمستقبل
واعتبر أبو غزال أن الهدف الرئيس من هذه الإجراءات هو تفريغ هذه المناطق من العرب وجعلها ذات صبغة كردية تماماً، ولفت إلى أن عمليات النزوح الكبيرة من الممكن إن استمرت أن تؤدّي في نهاية المطاف إلى إحداث توازن بين عدد السكّان العربي والكرد في المنطقة، وهو ما لا تريده الوحدات الكردية التي تخطّط مستقبلاً للانفصال بهذه المناطق وجعلها فيدرالية.
وتابع: “لو أن هذه المناطق هي حقّاً ذات أغلبية كردية فمن الممكن أن تكون الاتهامات الموجّهة للأكراد أقل حدّة، لكن هذه المناطق هي أساساً مناطق مختلطة بين العرب والأكراد، ولكلا المكوّنين الحق في العيش فيها دون أن يطغى مكوّن على آخر”.
وربط أبو غزال عمليات التهجير الجماعي التي تمارسها الميليشيات الكردية بمنع العرب من دخول أراضيها قائلاً: “كل هذه المؤشّرات تدل بشكلٍ أو بآخر على نيّتها إحداث تغيير ديموغرافي”.
صدى الشام