أربع سنين, وعام خامس… ولم نهرم بعد
وباقون هنا , قرب خرائبنا ومذابحنا والشهداء نقاوم..
لا ننتظر النصر ولا السلام, ولكن أن نقتلكم, وثيقتنا الرصاص, ودستورنا الثأر البشع, و أهدافنا … نسيناها على حافة النار, نسينا رائحة المدن والخبز والأنثى, وأحكام التطهر من الدم, دمنا طهارة العالم, وتذكّرنا أن ننتقم فقط, واخترنا الحرب
تركْنا كتبنا الرطبة من قهوة الليل للغبار … واخترنا الحرب
ودّعنا أمهاتنا في الصلاة مذعورات من القدر .. واخترنا الحرب
زففنا حبيباتنا باكيات إلى الأزواج الجدد… واخترنا الحرب
وأتيناكم, لم يجبرنا القدر, ولم يدفعنا كلام الشيخ, ولم تحبسنا حدود الآخرين, و وكان متاحاً لنا أن نعيش في الوهم اللذيذ والعار المطمئن, ولكننا اخترنا الحرب
لم تعرفوا هذه الوجوه المعتمة من الحقد يوم كانت مضيئة بالترف السعيد, لم تصافحوا هذه الأيدي الوسخة من الوحل يوم كانت تشتهيها خصور لم يجرحها الهواء, حملنا بها أشلاء من لم نعرفهم, حملنا رفاقَنا هامدين, حملْنا الخبز لأمهاتهم الوحيدات وهربْنا قبل أن نرى عيني الأم تبحث فينا عن ظلّ نسيه الموت للشهيد الذي لم نكنْه, حملْنا آباءنا ورميناهم في الحفر الجماعية بين غارتَين, عدنا سريعاً لندفن في الحدائق أبناء الآخرين.
لم تقنعكم أصواتنا النديّة في المكتبات والأعراس والمساجد, جرّبناها مشقوقة في المآتم طويلاً, سمعنا أطفالنا يبكون, سمعنا النساء, سمعنا حتى نحيب الرجال, سمعنا حشرجة الذبيح بينما يخرسنا حوله العجز الذليل, كان أخانا, بعد شهر كنا نحمل طفله الذي لم يره, أسميناه باسم أبيه, كان نصراً مذلّاً, ولكننا تبْنا من الماضي والحنين, فاسمعوا مراثيكم الأخيرة, لن نسمع الآن غير شخيب الدم من الأعناق.
وبأيدينا التي لم تُبتر بعد سنقتلعكم من الزمن والأحلام, وبأقدامنا التي لم تتهشّم بعد سننبش القبور إن ارتاحت بها أشلاؤكم التي مزقّتها القنابل والسكاكين الصدئة, لسنا أبطالاً ولا مهزومين, وإنما أعداؤكم, ويكفي, قبل اتفاق الآخرين, بعد انسحاب الآخرين, ووسط الخرائط والخطط والخيانات القريبة, نحن أعداؤكم, ستنفجر في الأرض النار, وستبتلع السماءَ النار, وستأكل أبناءَنا -قبل أن نعرفهم – النار, ولكننا لا نبالي بغير الثأر, لم تعد تحركنا الشجاعة وإنما اللامبالاة.
بمن نبالي؟, يحبوننا في الصحف والمقابلات الأنيقة, يبكون علينا في المتبقي من عاطفة الليل, ويتركوننا للعدم, صدئت في الصحاري مخازن السلاح بينما نصعد بالسكاكين تلال المدفعية, ربما يصل عشرة إلى بندقية, ربما يرجع منهم واحد يحمي أهل الباقين الشهداء, استشهد بعد معركتين.
بمن نبالي؟, متروكون في أرض متروكة إلا من الأعداء, متروكون إلا من ندم الليل: ماذا فعلنا للشهداء الراحلين؟, تشربُ المتبقي منا الحروب, وفي كل يوم نزيفٌ لم يكتمل, ينتظر رفيقه في الغد الآتي, نسينا احتفالَ الموت, صار الموت قريباً وعاديّاً ومتوقّعاً في المنعطف الآتي بينما نضحك من فرصة لم يتقنها الأعداء, تركَتنا حتى دهشة الحزن, تشرب المتبقي منا الحروب, ولا ننقص ما بقي منا واحد في الحرب, ثائر واحد في الأرض كامل, وسيقتلكم.
وها نحن, من أقصى الحزن والحقد والغضب, حتى أقصى الحب والحلم والإيمان, جموعاً لن تنفد من الثائرين والزنود والرصاص, وصرخاتٍ لن تنضب للحرية والكرامة والشهداء, ودموعاً لن يجففها الليل والعمر والذكريات القديمة, وشعوباً مؤمنة بحقّها في الحلم.. مؤمنة بصدق الحلم على امتداد مساحات الظلم والدم والألم, نقاوم.
ولم نهرم بعد, حتى الثأر الأخير.
18 آذار 2011م – 18 آذار 2015م
باقون في هذه الثورة العظيمة, حتى النصر, وهو قريب, ألا إن نصر الله قريب.
بقلم : أحمد أبازيد
سبكة شام