كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن “قراراها” برفع الحظر عن دعم المعارضة السورية بالسلاح، بعد أن فشلت والمجتمع الدولي في أخذ قرار في مجلس الأمن يُلزم موسكو بوقف العمليات القتالية لفترة محدودة لإسعاف المدنيين بالمواد الغذائية والمياه المنقطعة عنهم في شرق حلب، هذا عدا تدمير كافة المرافق الصحية والخدمية هناك.
القرار بدعم المعارضة السورية جاء أيضاً في أعقاب موافقة مجلس النواب الأمريكي على إمداد المعارضة السورية بأسحلة مضادة للطائرات، وهو القرار المتوقف تنفيذه على مصادقة مجلس الشيوخ، ومن ثم الرئيس أوباما، ليصبح نافذاً في مواجهة التصعيد الروسي الأخير في حلب وشمال سوريا، ما يوحي بأن الإدراة الأمريكية آخذة العزم على وقف التصعيد الروسي بالقوة، وبأنها ضاقت ذرعاً بالسياسة الروسية المعطِّلة لقرارات مجلس الأمن، والرافضة لفسح المجال أمام أي هدنة إنسانية تنقذ حياة المدنيين من خطر الموت جوعاً في حلب.
ولكن، بعيداً عن الانفعالات الآنية، لا بد من التوقف عند القرار الخادع للرأي العام ولنخب السياسية عوّلت كثيراً على التدخل الأمريكي لإنقاذ السوريين من حمم الطائرات الروسية وبراميل النظام المتفجرة، فالقرار الأمريكي ما زال غامضاً في تفاصيله، وحساساً في توقيته.
القرار الأمريكي يبدو للوهلة الأولى أنه تحوّل نوعي في موقف الإدارة الأمريكية عندما يجري الحديث عن أسلحة كانت محظورة، أي إنها أسحلة هامة وحساسة قادرة على تغيير ميزان القوى لصالح المعارضة، فضلاً عن الأسحلة المضادة للطائرات إن تمت المصادقة عليها من قبل الرئيس أوباما.
ولكننا هنا نتوقف للسؤال عن ماهية هذه الأسحلة وطبيعتها كماً ونوعاً إن صدقت الإدراة الأمريكية؟ وإلى أي الجهات من المعارضة السورية ستصل؟ إلى الجيش الحر المدعوم من تركيا، أم الفصائل المعتدلة المتهمة مؤخراً بالتحالف مع فتح الشام “الإرهابية” حسب التصنيف الأمريكي – الروسي؟ أم إلى الاتحاد الديمقراطي الكردي المدعوم أو المسكوت عنه من روسيا والنظام السوري كورقة توازن في مواجهة تركيا الحليف المفترض لواشنطن والحلف الأطلسي، وهو ذات الجهة التي تلقى دعماً أمريكياً لإقامة كيان شمال سوريا، فكان أحد أسباب توتر العلاقة بين أنقرة وواشنطن؛ نتيجة تخوف الأولى من أن يتحول إلى كيان معادٍ وداعم للأكراد وحزب العمال الساعي بالقوة إلى الانفصال والاستقلال عن تركيا.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية جادّة في تغيير المعادلة لصالح المعارضة أو “الثورة” السورية، فلماذا الآن؟ ألم يسعِ الإدارة الأمريكية التفكير في هذا الموضوع طوال سنوات خلت من عمر الأزمة السورية؟ هل كان عليها أن تنتظر حتى تصبح المعارضة ومسلحوها في عنق الزجاجة حتى تفرج عن أسلحة كانت محظورة؟ وهل هذا القرار من الجدية بمكان؛ حيث إدارة أوباما تتهيأ لتسليم القيادة للرئيس ترامب الذي أشار بدوره إلى “نيته” التعاون مع موسكو في محاربة “الإرهاب” في سوريا؟
هذا القرار يشير إلى أن الإدارة الأمريكية كانت وما زالت تشاطر روسيا، وإيران، والنظام السوري دماء المدنيين السوريين وخراب البلد، طالما أنها كانت قادرة على حسم مصير الأزمة ونتائجها لصالح أحد الطرفين، أو كليهما معاً؛ بإبطال مفاعيل التصعيد الروسي الأخير، ودفع الجميع إلى الحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة.
الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس أوباما لم تكن يوماً صادقة في دعم المعارضة السورية للإطاحة بالنظام السوري، ولم تكن يوماً صادقة في موقفها من النظام السوري لناحية انتهاء صلاحيته بانتهاء شرعيته كما كانت تدّعي، ولكنها كانت صادقة في إدامة الصراع على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”؛ بهدف تدمير سوريا “الدولة” بكل مكوناتها، كما دمرت العراق الدولة سابقاً ولاحقاً، وبهدف استنزاف العديد من دول المنطقة التي يمكن أن تشكل محوراً إقليمياً، وبهدف إحياء الذاكرة الأفغانية في العقلية الروسية بقيادة بوتين الطامح لاستعادة الدور الروسي عالمياً كشريك أو ندٍّ للولايات المتحدة.
فلو كانت الولايات المتحدة الأمريكية صادقة في حسم المعركة لصالح المعارضة لكانت سمحت لتركيا والسعودية وقطر بدعمهم بالأسلحة المحظورة منذ بداية الأزمة. ولو كانت صادقة في ادعائها بانتهاء شرعية النظام لكانت أسقطته وقت أزمة الملف الكيماوي، عندما لم تكن روسيا قد دخلت عضوياً ومباشرة في تفاصيل الصراع الدائر هناك.
الخليج أونلاين