بعد أيام من التأجيل وترقب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورؤية وجهه الحزين في شوارع لوزان, سويسرا, فإن المرء ربما يكون معذورا بأن يعقتد بأن المفاوضات للوصول إلى اتفاق ينظم برنامج إيران النووي وصل إلى نفطة مسدودة.
ولكن وجه كيري الطويل بدا متشائما جدا, ويوم الخميس, 2 أبريل, كشفت القوى العالمية عن اتفاق مؤقت –خطة شاملة للعمل, لاستخدام شروطها الفنية- تمهد الطريق للوصول إلى اتفاق نهائي من شأنه أن يوقف عمليات التخصيب في إيران وأن يفتح المجال للتفتيش الدولي في مقابل التخفيف من العقوبات.
من المفترض أن يتم تطبيق شروط الاتفاق المؤقت خلال الأيام القادمة, ولكن المعلومات التي تم الإعلان عنها لحد الآن تقدم صورة كلية مفاجئة لما يمكن أن نتوقعه من الاتفاق النهائي.
إليكم هنا دليلا لما تم التوصل إليه في سويسرا و القضايا العالقة التي يجب حلها, والمحاذير التي يمكن أن تقع عند تنفيذه. (ولكن أولا وقبل شئ هناك تحذير: إيران ومحاوريها لم يوقعوا على الاتفاقية بعد. والشروط التي سوف يتم ذكرها هنا قائمة على الكيفية التي تم وصف الاتفاق بها من قبل مسئولين مشاركين في المفاوضات. هذه الاتفاقية يمكن أن يتم التخلي عنها. وإن كان ذلك غير مرجحا, ولكن لا تعتبر ما خرج من لوزان يوم الخميس على أنه اتفاق قائم على أسس متينة).
الطرد المركزي:
يمكن القول إن أصعب خطوة في بناء القنبلة النووية هي تجميع المواد الانشطارية – اليورانيو أو البلاتينيوم- حيث إنها تعطي مثل هذه الأجهزة قوتها التفجيرية. في حالة إيران, تخصيب اليورانيوم عنصر أساسي لأي اتفاق بشأن البرنامج النووي. الحصول على القنبلة باستخدام اليورانيوم بحاجة إلى استخراج نظير اليورانيوم-135, الذي يشكل 0.7 من اليورانيوم الموجود في الطبيعة.من أجل صنع أسلحة من اليورانيوم, فإنه يجب تخصيب المادة إلى 90% من اليورانيوم-235.
الاتفاقية التي تم كشف النقاب عنها يوم الخميس تسمح لإيران بمواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم ولكنها تفرض عليها حدودا قوية. سوف يكون مطلوبا من إيران تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين, أي حوالي 6000 جهاز. من بين هذه الأعداد هناك 5060 سوف يسمح لها بالعمل خلال السنوات العشر القادمة.
أجهزة الطرد المركزية هذه هي أبسط نموذج إيراني, وهو أي أر-1. لن يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم باستخدام النماذج الأكثر تطورا- التي تنتج بصورة أسرع- لعشر سنوات على الأقل.
وقت الانطلاق:
ترتبط مسألة عد أجهزة الطرد المركزي بصورة وثيقة مع ما يطلق عليه الدبلوماسيون “وقت الانطلاق” اللازم لإيران. وهو إذا ما قررت إيران الدخول في اتفاق لتنظيم برنامجها النووي, فكم من الوقت سوف يتطلب من طهران لجمع كميات كافية من اليورانيوم اللازم لانتاج قنبلة نووية – اليورانيوم الذي خصب حتى 90%.
وقت الانطلاق المتوقع يمكن أن يكون أمرا فنيا أكثر منه علميا في بعض الأوقات, ولكن شروط الاتفاق يبدو أنها تحدد وقت الانطلاق لعام فقط.
هناك طريقة واحدة لتسريع انتاج اليورانيوم اللازم للقنبلة وهو عن طريق تغذية أجهزة الطرد المركزي باليورانيوم الذي سبق تخصيبه بشكل متواضع. وفقا لشروط الاتفاقية, فإنه يتوجب على إيران أن تخفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب بصورة حادة, من 10000 كغم إلى ما لا يزيد عن 300 كغم. علاوة على ذلك, يطلب الاتفاق من إيران أن لا تخصب أكثر من 3.67% من اليورانيوم للأعوام ال 15 القادمة.
خلال 15 عاما هذه الحسابات سوف تتغير, عندما تنتهي العديد من القيود على نشاطات التخصيب الإيرانية, وفقا للاتفاقية.
ولكن, عند مناقشة وقت الانطلاق لإيران, فإنه من الهام التركيز على أن هناك ثلاثة مكونات رئيسة لانتاج القنابل النووية – تخصيب المواد الانشطارية وتطوير القنبلة, وإنشاء نظام تسليم. وقت الانطلاق يشير فقط إلى تخصيب المواد الانشطارية, ولا يعتقد حاليا بأن إيران تطور تكنولوجيا القنبلة ولا آلية تسليم مناسبة.
مع ذلك, فإن مناقشة وقت انطلاق إيران وفقا لشروط هذا الاتفاق سوف يكون نقطة خلاف في الأسابيع القادمة مع محاولة الدبلوماسيين تسويق هذه الاتفاقية للمشككين فيها في بلادهم. المتشددون مثل رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو طالبوا بأن يتم تفكيك البنية التحتية للتخصيب في إيران بصورة كلية, وهو الأمر الذي لا تتضمنه هذه الاتفاقية. في الأيام والأسابيع القادمة, من المتوقع منه ومن حلفائه أن يقولوا بأنه سوف يتم السماح لإيران بأن تراكم المواد اللازمة للقنبلة بصورة سريعة.
فوردو وناتانز وأراك.
إذا قررت إيران أن تسعى بصورة سرية إلى الحصول على السلاح النووي, فإن منشأة فوردو سوف تكون أساسية. مدفونة تحت جبل لحمايتها من الغارات الجوية, يعتبر فوردو حاليا مكانا لللآف من أجهزة الطرد المركزية. ولكن وفقا لاتفاقية لوزان, فإن إيران وافقت على أن لا تقوم بأي نشاطات تخصيب في هذا الموقع حتى 15 عاما قادمة. وعوضا عن ذلك فإنها سوف تعيد توظيف الموقع كمركز بحوث نووي وفيزيائي وتكنولوجي. خلال هذه الفترة, فإن الموقع لن يكون مكانا لأي مواد انشطارية.
بالنسبة لمفاوضي إيران –ما يطلق عليه مجموعة 5+1: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا- فإن التغيير في فوردو يمثل انتصارا أساسيا, وهو تطور يمكن أن يعيق إيران من الوصول إلى القنبلة.
في نفس الوقت, فإنه سوف يسمح لإيران بالحفاظ على أجهزة الطرد المركزية في فوردو, على الرغم من أنهم لن يستخدموا في تخصيب اليورانيوم. متحدثا إلى الصحفيين في لوزان, سلط وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الضوء على هذه الحقيقة كانتصار كان وفده قادرا على الوصول إليه على طاولة المفاوضات.
المعلومات التي كشفت لحد الآن حول الاتفاق لا تتضمن قدرا كبيرا من التحديد حول أجهزة الطرد المركزية في فوردو, وهذا سبب تساؤل سكوت كيمب, الخبير النووي في معهد ماسيوشوتس للتكنولوجيا, حول تقدير وقت إيران المحتمل للانطلاق وفقا لهذه الاتفاقية.
كتب كيمب في رسالة إلكترونية وجهها إلى الفورين بوليسي :” على الرغم من أن ورقة الولايات المتحدة تشير إلى أنه لن يتم السماح بتخصيب اليورانيوم في فوردو, إلا أن أجهزة الطرد سوف يكون مسموحا بها وهذه الأجهزة يجب أن تكون موجودة في حسابات وقت الانطلاق. بيان الولايات المتحدة الذي نشر يشير إلى السماح بوجود 1000 جهاز طرد مركزي على الأكثر في فوردو, ولكنها لا تحدد القيود على نماذج أجهزة الطرد المركزي التي يمكن استخدامها هناك. لو افترضنا استخدام إيران لأفضل تكنولوجية لديها الآن, فإن أجهزة الطرد المركزي في فوردو يمكن أن تقلل من وقت الانطلاق إلى حوالي 3 أشهر”.
موقع إيران المهم الآخر لتخصيب اليوارنيوم يقع في ناتانز, ومع عدم إمكانية العمل على المواد الانشطارية, فإن أنشطة إيران للتخصيب سوف تكون موجودة في ناتانز فقط. حوالي 5000 جهاز طرد مركزي سوف يسمح باستخدامها هناك, وهو قيد سوف يتم وضعه لعشر سنوات قادة. في ناتانز, فإنه سوف يسمح لإيران باستخدام أبسط نموذج لأجهزة الطرد المركزي في إيران, على الرغم من أنه سوف يسمح لها بالمشاركة “بإجراء بحوث وتطوير محدود على أجهزة الطرد المتطورة لديها” وفقا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية.
في حين أن برنامج إيران النووي يركز على تخصيب اليورانيوم, فإن بعض المراقبين يخشون من أنها يمكن أن تستخدم مفاعل المياه الثقيل الذي تم بناءؤه في أراك من أجل إنتاج البلاتينيوم, وهو الوقود النووي المحتمل الآخر. وفقا لشروط الاتفاق, فإنه سوف يعاد تصميم أراك بحيث لن يكون في وسعه إنتاج البلاتينيوم المستخدم في السلاح النووي. العمل الأساسي الحالي للمفاعل إما أنه سوف يدمر أو سوف يتم إرساله خارج البلاد. الوقود المستهلك من المفاعل, الذي يمكن أن يستخدم في صناعة القنبلة النووية, سوف يشحن خارج البلاد طالما أن المفاعل مستمر في العمل.
تعهدت إيران ببناء مرافق جديدة للتخصيب أو مفاعلات جديدة.
عمليات التفتيش.
جميع هذه القيود على برنامج إيران النووي لن يكون لها أي معنى إذا افتقر المجتمع الدولي إلى القدرة على مراقبة الامتثال لها. مع أخذ ذلك بعين الاعتبار, فإن الاتفاقية وضعت نظام تفتيش قوي. توفر الاتفاقية للوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول إلى جميع مواقع إيران النووية, بما في ذلك سلسلة التوريد وأي مواقع مشتبه بها. كما سوف تكون الوكالة قادرة على المراقبة على مناجم اليورانيوم لمدة 25 عاما وعلى مواقع أجهزة الطرد المركزية لمدة 20 عاما. وافقت إيران على التوقيع على بروتوكولات الوكالة الاضافية, التي تعطي للوكالة سلطات تفتيش إضافية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بقدرة المفتشين على التدقيق على النشاطات السرية, فإن هناك سبب آخر للحذر. وكما كتبت أولي هينون, المسئول السابق في الوكالة الذرية الأسبوع الماضي فإن “التاريخ يظهر المفاجآت”.
وأضافت :” برنامج الطرد المركزي الروسي استمر سنوات طويلة دون رقابة على الرغم من الجهود المخابراتية الهائلة. البرامج العراقية والليبية لم تخضع للتدقيق سريعا, وجنوب إفريقيا, التي صنعت الأسلحة النووية, انتهى بها الأمر بتدمير برنامجها قبل حتى أن تشاهده الوكالة. المفاعل السوري كان على وشك العمل, كما هو الحال مع محطة الطرد المركزية المتطورة في كوريا الشمالية.
وكتبت هينون أيضا :” هناك دائما عنصر غير معروف أو غير مؤكد يضيف عنصر المخاطرة إلى المعادلة”.
بدورها, تدعي اجهزة المخابرات الأمريكية بأنها واثقة من قدرتها على معروفة الجهود السرية التي تقوم بها إيران للحصول على السلاح النووي.
حتى مع موافقة إيران على القيود واسعة النطاق على برنامجها النووي, فإن الكثير من الأسئلة لا زالت باقية حول عملها السابق على تطوير الأسلحة النووية. وفقا لقسم من الكلمات الغامضة لبيان وزارة الخارجية الأمريكية, فإن إيران سوف “تطبق مجموعة متفق عليها من الإجراءات للتعامل مع مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول إمكانية وجود أبعاد عسكرية لبرنامجها النووي”.
هذا الصياغة تبين ما إذا كانت إيران سوف تكون واضحة حيال مثل هذا الأمر, ولكن ذلك يشير دون شك إلى إمكانية وجوده. يعتقد الجواسيس الأمريكان بأن إيران تخلت عن طموحاتها في بناء قنبلة نووية عام 2003.
وتيرة تخفيف العقوبات.
إذا امتثلت إيران لشروط هذه الاتفاقية, فإن هناك حجما كبيرا من العقوبات سوف يخفف عنها. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سوف يعلقون مثل هذه الإجراءات على تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التزام إيران بالتزاماتها النووية الأساسية. الأمور الأساسية التي يجب على إيران الالتزام بها لم يحدد بعد, وغالبا سوف يكون نقطة خلاف في المستقبل.
وفقا لتحقق الوكالة الدولية, فإن مجلس الأمن سوف يصدر قرارا جديدا برفع جميع القرارات السابقة بخصوص البرنامج النووي الإيراني. القرار الجديد سوف يتضمن قيودا على الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية وتجميد الأصول وتفتيش البضائع والقرارات الأخرى من أجل تشجيع الشفافية في نشاطات إيران
فورين بوليسي
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي