كانت دموع الفرح تسبق ابتسامتها، انتظرت (سعاد) زفافها ثلاث سنوات، كانت تسمع الزغاريد من حولها، وترى صديقاتها يدورون حولها، نظرت إلى المرآة، كانت تتعرف على وجهها لأول مرة وهو سعيد، لقد كبرت قليلا ولكن لا بأس مازال أحمد يحبها كثيرا، وهي أيضا لم تصدق أنه مات داخل السجون، نظرت لأمها لقد استطاعتا أخيرا، النجاة من هذا المخيم الكئيب، (ليت اخي محمود كان معي اليوم) هكذا رددت وهي تقوم لتؤدي رقصتها لتزف بعدها لعريسها أحمد الذي غيبه الاعتقال وغير ملامحه لمدة ثلاث سنوات.
كان أحمد يلبس طقما كان قد استعاره من صديقه في المخيم، يعمل في بيع الملابس المستعملة، فكر جيدا أنه يريد شراء واحد جديد ولكنه حاول توفير ثمن طقمه لعروسه.
كانت بشرته شاحبة، توحي بأنه أكبر من عمره، ولكنه كان وسيما رغم ذلك، ويداه ترتجفان فرحا، ويحاول إخفاء ذلك عن المحيطين به، لإظهار رجولته، ففي عرفه من المعيب أن يظهر خوفا أو حذرا في ليلة عرسه، كان يخاف أيضا أن تكون علامات الحفر في جسده ظاهرة، نظر بعينه اليمنى المتبقية بعد تعذيبه و رمق صور من حوله في (العراضة)، كثير من أصدقائه لم يعد هنا، فارقهم في المعتقل، أو أصبحوا (عرسانا) تحت التراب، !!
كان أحمد يتلهف ليرى سعاد، بوجهها الأبيض المستدير، وعيناها السود اللتان لم ينساهما طوال فترة اعتقاله، كان يأمل كل يوم أنه سيلتقي بها، ولكنه اليوم يجلس غير مصدق أنه يعيش كل هذا الفرح، اقتربت زفة العروس، وكانت أنفاسه تتقطع، بدأ يضحك، مع صديقه (جاد)الذي كان يمازحه،(يلله يا عريس اليوم يومك، عقبالي،)كان يغزه بالدبابيس، والأصوات تعلو وتعلو،(عريس الزين يا غالي، عريس الزين يتهنا، يطلب ع العين ويتمنى،….).
اختلطت الزغاريد بأصوات الطبول والدفوف، وأصوات المهللين، وعم الفرح أجواء الخيام التي نست الفرح لزمن طويل، كانت ليلة جميلة وكان كل من سعاد وأحمد ينظران لبعضهما خلسة أمام من حولها.
وفي صباح اليوم التالي، كانت أصوات كثيرة من سيارات الإسعاف إثر صاروخ (صديق)، استهدف المخيم بالخطأ، كان المراسلون يتناقلون خبر عريس وعروس، قتلا بلباس زفافهما!!!.
المركز الصحفي السوري ـ زهرة محمد