عندما دخلنا خيمة أمّ حسان بعد أن استضافتنا إلى داخل الخيمة بدعوة محفوفة الكرم الحاتمي على كأس شاي مخلوط بالدّفء وحديث الذكريات، لفت انتباهي شرشف مورّد معلّق في صدر الخيمة كما يقال.
هل تستطيع الفروع الأمنية الحجز على #عقارات_المطلوبين؟؟
أم حسان امرأة في عقدها الخامس تقريباً، لم ترحم نوائب الأيّام وجهها الذي أسمرته الشمس، وخطّت الهموم تجاعيده كشجرة زيتون معمّرة كثرت فيها دوائر العمر، فكيف لا وعيونها امتزجت بلون الزيتون.
خيمة مرتّبة تصارع قهر الزمن ومصاعبه وتحضن في ثناياها أمّ حسان وحفيدتيها الصغيرتين “حلا وعبير” اللتين لم تتجاوزا العاشرة من العمر، ويزينها ذلك الشرشف الزهري الذي كتب عليه عبارة “لعيونك حبيبي” محاطة بقلب حب وزهرة حمراء.
بدأت أمّ حسّان تتحدّث عن رحلة التهجير التي عانتها مع حفيدتيها، اللتين استشهد والدهما، وتركهما كزهرتين تحتاجان من يرعاهما ويداوم على سقايتهما كيلا تذبلان، بقولها: “نحن من المعرة، واضطرينا نطلع من بيتنا من حوالي سنة ونص بعد ما هجم عليها الجيش وبلش يقصفها ليل نهار، والجيش وعناصره ما بيخافوا من الله يا ابني”.
تكمل أم حسان بنبرة حزينة والشوق أضنى فؤادها “عندي بنت ساكنة هون بالمخيم مع جوزها وأولادها، وعندي ولدين, واحد استشهد والتاني في تركيا متزوج وعنده ولد وبنت, لسا ما شفتن بنتو الصغيرة غير بالصور والفيديو لما بحكي معه من عند بنتي لأتطمن عنه”.
أشارت أمّ حسان إلى حفيدتيها بيد مرتجفة وقالت “شوف على هالبنتين, تيتمو بسبب هالنّظام وجرائمه, استشهد أبوهن من 3 سنين وأمهن تركتن وراحت لعند أهلها وأن عم ربيهن, وما بعرف إذا بكرا بظل فوق راسن أو بموت, الله يبعتلن أيام منيحة وما يقطع عنن ولاد الحلال”.
وعند سؤال أمّ حسّان عن ذلك الشرشف بنوع من المزاح وإضفاء جوٍ من المتعة في الحديث “نيال أبو حسان يا أم حسان, هالشرشف كتير حلو وأنيق, هاد معلقتيه مشانه مو هيك!!!” لم يكن السؤال في موضعه فبدل أن يرسم ضحكة على وجهها المتعب، حفر كالمعول في مقلتيها لتنبثق منهما دموع الماضي الكئيب.
نظرت أمّ حسّان إلى الشرشف للحظات وعاودت النّظر إلينا وقالت بعد أن حاولت أن تمسح دموعها بمنديل في يدها “إييييه يا ابني, أنا أرملة من 16 سنة, الله يرحم أبو حسان, بس هاد الشرشف جبلي اياه ابني يلي استشهد هدية, وعلقتو بصدر الخيمة مشان ضل اتذكرو وتضل ريحته معنا وما تفارقنا بنوب, الله يرضى عليه ويتقبله من الشهداء”.
فكم من شرشف معلّق في صدر خيمة أو منزل متهالك صدّع جدرانه ارتجاف الأرض رعباً من هول صواريخ لا ترحم بشراً ولا حجراً، يخفي خلفه قصص الشوق والحزن التي خلّفتها حرب ضروس من أجل شيطان نتن.
بقلم: محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع