اجتماعات صباحية لنساء الحي تتجدد كل صباح، منها بقصد مباركات النجاح، أو الولادة وغيرها، ومنها للفضفضة وللحديث عن الحياة اليومية التي لا تنتهي تفاصيلها مطلقا، فيجتمعن لشرب القهوة وفي جعبة كل منهن ألف حكاية وقصة.
وبينما كنا جالسات نتجاذب أطراف الحديث، وإذ بهاتف جارتنا “دعاء” يرن، ردت عليه وسط حالة من الضجيج والفوضى من أصوات الجارات وهن يتابعن حديثهن دون انقطاع، وفجأة بدأت عينا “دعاء” تدمع وصوتها يرتجف، وكأنها تلقت خبرا سيئا لم تقوى على تحمله، استجمعت قواها وحاولت أن تبدو أقوى لتعاود سؤالها الذي كررته مرارا على المتصل، “لاتقلي مات” ونحن تملكنا الخوف والرهبة ونريدها فقط أن تنهي مكالمتها لنعرف ما المصيبة التي حلت عليها وجعلتها تفقد توازنها.
رمت هاتفها أرضا وانهالت بالبكاء ونحن نحاول تهدئتها علنا نعرف ماحدث، فتكرر على مسامعنا ” حسبي الله ونعم الوكيل”، ” مات آخر أمل كنت أنتظره بخروج أمي من معتقل نظام الأسد”.
اعتقلت والدة دعاء كغيرها دون سبب منطقي يدعو لذلك عند حاجز “القطيفة” وهي عائدة من لبنان، فقام عناصر الحاجز بحسب شهود عيان باعتقال جميع من كان معها منذ خمسة أعوام، وبعد عدة جهود من والدها ودفع مبالغ كبيرة وصلت لأكثر من مليوني ليرة سورية وصلوا لمكانها لكن دون جدوى من محاولة إخراجها.
لكن ما هو الأمل الذي تحدثت عنه دعاء ومن قتله؟
ضجت مدينة ادلب بخبر اعتقال والدتها كونها تنحدر من عائلة عريقة في المدينة، ولعله السبب وراء ذلك بحكم أن عائلتها معروفة بانتمائها للثورة السورية، ولم يبق أحد لديه معارف ووساطات إلا وتدّخل في محاولة فك أسرها، وبعد كثير من المحاولات التي انتهت معظمها بعملية نصب لن تثمن عن أي أمل أو خبر يطمئن قلوبهم التي أضناها الغياب، تمكّن والدها من التواصل مع أحد قادة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري، ووعدهم أن يفاوض النظام على خروجها مقابل مبادلتها مع أحد أسراه، وفعلا تم الاتفاق وحددوا موعدا للعملية بشكل سري ريثما تنتهي، وهنا بدأت بوادر الأمل تنفرج على العائلة المنتظرة للحظة اللقاء.
لكن وكما يقال “يافرحة ماتمت”، تابع النظام إجرامه واستهدف بصاروخ حراري مجموعة من ثوار الساحل ومن بينهم القائد الذي يشرف على عملية المبادلة، فأصيب بجروح بليغة وتم نقله إلى تركا لتلقي العلاج واستشهد هناك، ليقتل الأمل الذي طال انتظاره.
تمسح دعاء دموعها وتدعو له بالرحمة، وتقول بصوت مرتجف غلب عليه قليل من الأمل:” قال لي قبل أن يصاب بيوم (لاتخافي يابنتي أمك رح ترجع بإذن الله وحتى إذا متت أنا موصي فيكن والله مابينسى حدا).
مجلة الحدث _ سماح الخالد
هموم
===============================