“لم أسمع بمحافظة إدلب من قبل”، كان هذا اعترافًا أطلقه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد أيام من اتفاق “سوتشي”، في أيلول 2018، بين روسيا وتركيا بشأن إدلب، وهو ما استهجنه كثير من السوريين، لأن المحافظة كانت تتعرض للقصف المستمر والمعارك.
ونسب الرئيس الأمريكي حينها الفضل لنفسه في منع هجوم روسيا والنظام على إدلب، عبر الطلب من وزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي “عدم السماح بحصول الهجوم”، ما أدى إلى “توقف الأمر”، بحسب قوله.
في ظل تحول إدلب إلى ساحة تصفية حسابات بين اللاعبين الكبار في الملف السوري، وعلى رأسهم روسيا وتركيا، خلال الأسابيع الماضية، وما نتج عنه من توتر وخلاف كاد أن يسفر عن حرب مفتوحة، بدأت أمريكا بالتحرك عبر إيفاد مسؤوليها إلى المنطقة، واتخاذ خطوات لتسلّم زمام الأمور.
أمريكا لن تقبل بغير حدود “سوتشي”
سادت ضبابية في الموقف الأمريكي، خلال الأسابيع الماضية، تجاه دعم تركيا في إدلب ضد قوات النظام السوري وروسيا، في وقت طلبت أنقرة، التي بدأت عملية عسكرية في إدلب تحت اسم “درع الربيع” في 27 من شباط الماضي، مرارًا من واشنطن اتخاذ موقف واضح، وتزويدها بمنظومة الدفاع الجوي “باتريوت”.
لكن أمريكا اكتفت بالتصريح الإعلامي بمساندة حليفتها في “الناتو” (تركيا)، إلى جانب استعدادها لـ”تزويد تركيا بالذخيرة اللازمة” من أجل العمليات العسكرية في إدلب، بحسب ما أكده المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري.
في حين أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 26 من شباط الماضي، أن الولايات المتحدة لم تقدم بعد دعمًا لتركيا في منطقة إدلب.
وجاء تصريح جيفري قبل يومين من لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، الذي أسفر عن اتفاق جديد في إدلب.
وينص الاتفاق على وقف إطلاق النار في إدلب على خط التماس الذي أُنشئ وفقًا لمناطق “خفض التصعيد”، وإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال وجنوب الطريق “M4” في سوريا.
إضافة إلى العمل على توفير حماية شاملة لكل السوريين وإعادة النازحين، وتسيير دوريات تركية وروسية، ستنطلق في 15 من آذار الحالي، على امتداد طريق حلب- اللاذقية (M4) بين منطقتي ترنبة غرب سراقب، وعين الحور بريف إدلب الغربي.
وحاولت روسيا الحصول على دعم من مجلس الأمن للاتفاق، الأمر الذي يثبت الواقع العسكري الحالي ويرسم حدودًا جديدة لخريطة إدلب، ما يلغي حدود اتفاق “سوتشي” السابق، الذي تعتبره أمريكا أساسًا وتجب العودة إليه وتطبيقه.
وطالب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في مؤتمر صحفي، الخميس الماضي، تركيا وروسيا بالعودة إلى اتفاق “سوتشي”، قائلًا إن مطالب الولايات المتحدة في المنطقة هي عودة الطرفين إلى اتفاق “سوتشي” 2018، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في إدلب.
لكن الهدف الروسي في مجلس الأمن اصطدم بـ”فيتو” أمريكي، إذ أكد دبلوماسيون لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الولايات المتحدة عرقلت تبني مجلس الأمن إعلانًا يدعم الاتفاق الروسي- التركي حول إدلب.
وأشارت الوكالة إلى أنه عندما طلب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، من شركائه في المجلس تبني إعلان مشترك بشأن الاتفاق الروسي- التركي، قالت المندوبة الأمريكية، كيلي كرافت، “إنه أمر سابق لأوانه”.
أول زيارة لمسؤولين أمريكيين إلى إدلب
إلى جانب ذلك أوفدت واشنطن مبعوثها الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، ومندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، والسفير الأمريكي في تركيا، ديفيد ساترفيلد، إلى داخل مدينة إدلب ليكون أول وفد أمريكي رفيع المستوى يزور إدلب.
وقالت كرافت، إنها جاءت بالنيابة عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لإظهار التضامن مع الشعب السوري، وأكدت أن إدارة ترامب خصصت 108 ملايين دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية الأمريكية لتقديمها إلى السوريين.
وجاءت الزيارة تحت طابع إنساني بهدف الاطلاع على أحوال النازحين في المخيمات، لكن في ظل وجود مسؤولين رفيعي المستوى خرجت الزيارة برسائل عدة.
وتعتبر الزيارة رسالة إلى روسيا بأن الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة في إدلب، ولن تسمح بتقدم قوات النظام السوري أكثر، وهو ما أكده جيفري، الذي صرح خلال لقاء أجراه مع شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية، في 7 من آذار الحالي، “لا أعتقد أن يكون النصر حليفًا للروس، ولنظام بشار الأسد في إدلب”.
وعزا المسؤول الأمريكي عدم قدرة النظام السوري على تكرار سيناريو سيطرته على مناطق للمعارضة بدعم من روسيا، إلى الوجود التركي في إدلب، قائلًا “الوضع مختلف بالنسبة لإدلب، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك، وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك”.
كما أوصلت الزيارة رسالة إلى تركيا بدعمها في إدلب في مواجهة الروس، وهو ما أكده جيفري عقب الزيارة مباشرة بأن “تركيا شريك في حلف شمال الأطلسي.. معظم الجيش (التركي) يستخدم عتادًا أمريكيًا.. سنعمل على التأكد من أن العتاد جاهز ويمكن استخدامه”، مؤكدًا أن أمريكا مستعدة لتقديم الذخيرة إلى تركيا في حربها بإدلب.
كما تعتبر الزيارة، واللقاء مع عناصر من “الدفاع المدني”، ردًا على الاتهامات التي توجهها روسيا مرارًا إلى المنظمة، بأنها “إرهابية”.
وأعربت كرافت عن امتنانها لمصافحة أيادي متطوعين من “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء)، واصفة إياهم بـ”الأناس العاديين الذين يقومون بأمور غير اعتيادية لإنقاذ حياة السوريين من وحشية الأسد”.
أمريكا المدعومة بموقف غربي
صيغة الاتفاق ما زالت غامضة، ولم تجب عن مواضيع شائكة، مثل مصير نقاط المراقبة التركية، وحدود الاتفاق السابق (سوتشي)، إلى جانب مصير المدن الكبرى الاستراتيجية، معرة النعمان وسراقب وخان شيخون.
وهو ما أكدت عليه السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، كارن بيرس، خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن، بأنه يوجد كثير من الأسئلة حول طريقة تطبيق الاتفاق، والجهة التي ستتحكم فيه.
وقالت في هذا الصدد، “من سيسيطر على ما سيحدث في غرب حلب، وهل الحكومة السورية صدّقت رسميًا على الاتفاق الروسي- التركي؟ وهل ستطبق ترتيبات وقف إطلاق النار؟”.
كما عبّر السفير الألماني، كريستوف هويسغن، عن قلق بلاده إزاء معاناة المدنيين في إدلب، معربًا عن أمله بأن يتمكن الأهالي من العودة للعيش هناك، في حال الوصول إلى مناطق آمنة بعد تنفيذ وقف إطلاق النار.
وانتقدت الرئاسة الفرنسية الاتفاق، معتبرة أنه لا يزال هشًا ويتضمن نقاطًا غامضة، وذلك في بيان للإليزيه، في 6 من آذار الحالي.
وأشار إلى أن الاتفاق الروسي- التركي “أنتج وقفًا لإطلاق النار لكنه لم يترسخ جيدًا بعد”، إذ إنه “رغم خفض التصعيد العسكري لا تزال عدد من التحركات الميدانية مستمرة”.
ولفت إلى وجود عدد من النقاط الغامضة في الاتفاق، والمسائل التي يصعب التعامل معها، بما في ذلك، “الانسحاب من الطريقين الدوليين (M4) وM5))، والحديث عن دعم سياسي وإنساني لا وضوح بشأن ترتيباته”.
وفي حين اقترحت عدد من الدول الأوروبية تعديلات على نص القرار الذي طرحته روسيا، رفضت موسكو من جانبها الدخول في مفاوضات طويلة حوله.
وتنتظر إدلب ما ستؤول إليه الأسابيع المقبلة، سواء تثبيت الاتفاق التركي- الروسي والعودة إلى المسار السياسي في أروقة الأمم المتحدة بجنيف، ومتابعة اجتماعات “اللجنة الدستورية” المتوقفة منذ تشرين الثاني 2019، أو خرق الاتفاق والعودة إلى المعارك والاشتباكات.
نقلا عن عنب بلدي