صحيفة العرب _ نضال قوشحة
في مبادرة تحمل في طياتها مقدارا من التفرد، اختار منظمو أحد المعارض الفنية للتشكيل في سوريا عنوانا لافتا “ألوان من حمص” ليقدّموا من خلاله نتاجات إبداعية للعديد من الفنانين السوريين من مدينة حمص، والذين أرادوا أن ينقلوا هذا الفن بألوانه وأجوائه إلى دمشق كي يتفاعل مع الجمهور هناك.
وشارك في المعرض الذي أقيم في المركز الثقافي العربي في أبورمانة وتحت رعاية وزارة الثقافة السورية، فنانون معروفون على مستوى مدينة حمص، وهم: أميل فرحة، رانية الألفي، رزق الله حلاق، سميرة مدور، عبدالقادر عزوز، عون الدروبي، ميسون حبل ويوسف محمد، وقد كان الهدف من المعرض كما قال أحد منظميه “نقل الأجواء الجمالية التي تحتفي بالإنسان والمكان في مدينة حمص، التي قدمها فنانون معروفون، قاموا بتصوير العديد من ملامح الحياة في مختلف تجلياتها في المدينة وريفها، وصاغوا ذلك بتشكيلات لونية تركز على تفاصيل اجتماعية أو زمنية، مستعرضين أوجاعا وأحلاما ورؤى”.
وفي المعرض الذي تلقاه الجمهور بدمشق بترحاب كبير، تظهر العديد من المدارس والتوجهات الفكرية والفنية لأصحابها، فنلحظ عند البعض اهتماما ظاهرا بالمرأة في تشكيلات لونية تضفي مزيجا من الحزن وصيحات الوجع المدفونة في دواخلها، لتتشكل من خلال ذلك ملامح أنثوية حزينة تحمل معاني إنسانية عميقة، وكأنها تريد التلميح لمخاطر وأوجاع عاشتها المدينة وأهلها، كما احتفى فنانون آخرون بالمكان فرصدوا ثيمات محددة أرّخوا فيها لمكان أو حدث فيه يحمل رمزية أو دلالة معينة.

بعض اللوحات اتجهت نحو إيجاد تكوينات لونية هادئة ورصينة تحمل دلالات عن السلام والسكينة، كما في رسم مناظر طبيعية تتشح بمساحات كبيرة من اللون الأخضر، مستلهمة حالة الطبيعة المجردة في تناغم لوني يعكس حالة إنسانية هادئة ومستقرة لمبدع يحمل فيضا من الأمل في قوادم الأيام، أو من خلال وجه امرأة تحوطه هالات من اللون، وكأنها بحور من الحب والأمل. وفي لوحات أخرى ظهر الإنسان بألمه وحطامه النفسي الذي يعيشه منذ أزيد من سبع سنوات، فبدا كإنسان معلق في الهواء يحمل نبضا موجعا محملا بقلق دائم يبحث عن مخرج من ظرف طارئ أودى بأحلام وآمال المدينة وأهلها.
والنحت كان حاضرا أيضا في المعرض من خلال عدد من المنحوتات الحجرية التي قدمت معاني إنسانية عميقة في دلالات حركية رصدت وجوها في تموضعات مختلفة، وما قدمه النحت لم يكن عدديا بالحال الذي كان عليه الرسم، إلاّ أنها شكلت طيفا جديدا في ألق الألوان الذي قدمه المعرض.
ويقول عون الدروبي، أحد الفنانين التشكيليين المشاركين في المعرض “الفن هو الحياة بمرّها وحلوها، وما يقدمه الفنان في إبداعه هو انعكاس طبيعي وتلقائي عمّا يدور في ذهنه وفي حياته اليومية، أنا أقوم بالرسم من خلال هذا المفهوم، فأمزج بين الطبيعي والتجريدي للوصول لمقولات إنسانية عميقة ومؤثرة”.
أما عبدالقادر عزوز، الفنان الحمصي، فيقول “الطبيعة هي أهم معلم، في الطبيعة مكمن لا ينضب من المواضيع المختلفة، التي يستطيع الفنان المجيد من خلالها استلهام الكثير من إبداعاته، نشأت في حي يحمل الكثير من رمزية المكان وعراقته وشعبيته، لذلك أحاول مجددا إعادة صوغ ذلك في تجليات مكانية خاصة، مبرزا جماليات محددة وفق دلالات مختلفة”.
وترى ميسون حبل، التي اهتمت بفن النحت وقدمت فيه أعمالا على امتداد سنوات “أن النحت هو حوار بين المبدع والمنتج، يحمل تناقلا للأحاسيس والأفكار، والعمل بالنحت هو تعامل مع فضاء ولون وشكل نهائي للمادة، يستطيع النحات أن يصنع أفكاره من خياراته في طبيعة المادة ثم في شكلها، مثلا، اخترت في أعمالي الحديثة مادة الحديد كتعبير عن قساوة المرحلة التي نعيشها حاليا”.