يجلس أبو خالد بصحبة جيرانه.. يشاهدون بحسرةٍ قطاف محصول الزيتون، لكن في أرضٍ غير أرضهم، فأرضهم المنكوبة استحلتها جيوش الأسد منذ سنتين، لتحرمهم الأرض والزرعَ والمنزل المحبوب..
أبو خالد رجلٌ سبعيني، لكنه فتيُّ القلب، يروي لهم ماكان يملك من أشجار زيتون، تركها مرغماً في قريته “كفرسجنة”:
“خمسون شجرة زيتون في الكرم الشرقي، وسبعون شجرة شمالاً، ومئتين وخمسين شجرة على طريق “خان شيخون” سقيتهنَّ مداد قلبي وعرق جبيني، لكنني اليوم لا أعلم ماذا حل بهم، ولا أدري سأعود لأجني ثمارهم أم لا….”
جميع من في الجلسة من الريف الجنوبي لإدلب، جمعتهم ظروف الحرب والشتات في مخيمات الهجرة شمال سوريا.
دموع الشوق والحنين للأرض تكاد تكوي وجه أبو خالد الأسمر، فلكل حجرٍ في تلك الأرض وكل شجرةِ زيتون حكايات حبٍ وروابط أملٍ وعزيمة..
“ورثت الأرض عن والدي منذ أربعين سنة، أعمل بها يومياً وأهتم بالشجرة كأنها أحد أولادي، لم أترك حجراً تؤذي تلك الأرض، بل جعلت من حجارتها سوراً يحميها، حتى أفنيت معظم وقتي في سبيل تلك الأرض..
كنا نعمل في الصيف على زراعة الخضروات كالبندورة والقثاء، ونبدرُ أرضنا المخصصة للقمح بكل حُبٍ وسخاء، فهيَ خزانُ مؤنتنا الذي لا ينضب..
وفي موسم الزيتون تجتمع العائلة كما العيد، يغمرنا الفرح والمحبة، فالزيتُ والزيتون أغلى ما نملك، وهو كنزنا المُخبّأ في جوف الشجر..”
يقاطعه الحديثَ صديقُ الهجرة أبو عبد الله، ليحكي له عن أرضِ الهبيط الطيبة، المعروفة بخصوبتها الكبيرة وأرضها المعطاءة، “ماذا أقول لك عن أرض الهبيط؟ فكلُ حبةِ بطاطا تنتجها تحكي آلاف القصص عن طيبِ الأرض، هجرناها مكرهين، لكننا سنعود… فالأمل بالله وحده”
آمال أبي خالد بالعودة وأحلامه تحكيها أسئلته المعتادة لكل من يواجه في طريقه
– ما لديك من أخبار؟
– هل يا ترى سنعود لديارنا بعد هذا الشتات؟
– ماذا جرى في المؤتمر الأخير؟
لكنه لا يجد أجوبةً لتلك الاسئلة، فجميع الناس هناك يعيشونَ على نفس التساؤلات والحسرات…
كانت الحملة الأخيرة على ريف إدلب وحماة وحلب، قد حرمت آلاف الناس من أراضيهم الزراعية، لتتركهم وحيدين يعانون مرارة الفقد والاشتياق، وأمل العودة القريب لتلك البلاد.
إبراهيم الخطيب/قصة خبرية