وسط الحرب، قدر لأطفال سوريا أن يكونوا في قلب العاصفة، فتعرض بعضهم للتعذيب النفسي والجسدي، لأسباب مرتبطة بأطراف الصراع العسكري. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض مالا يقل عن 7457 طفلا للتعذيب بمراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام.
ألقت الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا بظلالها الثقيلة على المدنيين، ونال الأطفال الحصة الأكبر منها، عبر آثار سلبية على تفاصيل حياتهم اليومية، تولدت عنها مشاكل اجتماعية ونفسية، ربما لن تفارقهم، حتى بعد نهاية الحرب في سوريا.
آلاف الأطفال السوريين في الداخل ودول اللجوء خبروا الحرب، وتشكلت لديهم ذاكرة لن تمحى بسهولة حول الدمار والدم والقتل، حيث خلفت هذه الحرب تبعات نفسية، لتعرضهم للقصف المستمر، وتهجيرهم من منازلهم ومدارسهم وفقدانهم ذويهم وأعزاء على قلوبهم.
ويؤكد تقرير صادر عن منظمة يونيسف التابعة لـ الأمم المتحدة في مارس/آذار الجاري أن ما بين أربعة وثمانية ملايين طفل، أي أكثر من 80% من الأطفال في سوريا، تأثروا بسبب النزاع، سواء من بقوا داخل البلاد أو أصبحوا لاجئين بالدول المجاورة، حيث تشير المنظمة المعنية بالطفولة إلى أن حوالي مليوني طفل سوري لاجئ بحاجة إلى دعم وعلاج نفسي.
ويرى متخصصون في علم النفس أن أبرز انعكاسات الحرب على أطفال سوريا تتمثل بالخوف المستمر، والاضطرابات الانفعالية الحادة والاضطرابات الاكتئابية الشديدة.
ذاكرة مفقودة
ومن الحالات التي رصدتها الجزيرة نت، حالة الطفل محمد (تسع سنوات) من ريف حلب، حيث تسبب القصف على منزل أسرته قبل أشهر، ومشاهدة أمه قد تحولت إلى أشلاء، إلى فقدانه الذاكرة، وعدم قدرته على النطق بشكل مؤقت.
يقول مكارم الفتحي وهو معالج ومستشار دعم نفسي “يفتقد الطفل محمد القدرة على القراءة والكتابة، وحتى العمليات الذهنية البسيطة، وفقدان الإمكانية على تذكر أسماء أفراد أسرته وعملية التفكير، ويعاني حاليا من نوبات الرعب والبكاء الشديد، وجلس فترات لا يستطيع النوم، حيث تأتيه حالات من الكوابيس”.
يضيف الفتحي للجزيرة نت أن جهودا تبذل لتقديم الدعم النفسي لمحمد “لكن احتمالات النجاح لحالة كهذه محكومة بعامل الزمن الطويل، ولا يمكن الحكم سريعا”.
ويختم بأن حالة محمد هي من آلاف وربما عشرات آلاف الحالات التي تعاني من عدم القدرة على التعلم والالتحاق بالمدارس نتيجة التعرض للقصف والصدمة.
تعذيب الأطفال
وفي وسط الحرب، قُدر لعدد من أطفال سوريا أن يكونوا في قلب العاصفة، فتعرض قسم منهم للتعذيب النفسي والجسدي، لأسباب مرتبطة بأطراف الصراع العسكري.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعرض مالا يقل عن 7457 طفلا للتعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للقوات الحكومية، وذلك منذ مارس/آذار 2011 وحتى مارس/آذار من العام الجاري.
يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن “التعذيب طبق بشكل منهجي داخل مراكز الاحتجاز التابعة للقوات الحكومية بحق الأطفال المحتجزين، ولم تميز كثيرا القوات الحكومية في تعاملها مع الأطفال المحتجزين دون غيرهم من الشرائح العمرية”.
ويكمل فضل عبد الغني في حديثه للجزيرة نت “الدوافع الرئيسية لقيام القوات الحكومية باحتجاز الأطفال كانت لأسباب انتقامية من ذويهم، والبعض منها بدوافع طائفية ومناطقية، وللاحتفاظ بالأطفال كوسيلة ضغط للقيام بعمليات تبادل محتجزين مع فصائل المعارضة المسلحة”.
وعن أساليب التعذيب التي يتعرض لها الأطفال، أشار المتحدث إلى أن “الضرب المبرح وقلع الأظفار وحلاقة الشعر والجلد بأنابيب بلاستيكية والأسلاك الكهربائية، تعتبر من الطرق الرئيسية التي اتبعتها القوات الحكومية في تعذيب الأطفال المحتجزين، ويضاف إلى ذلك الحرمان من الأهل والطبابة والغذاء الكافي”.
بدورها، رأت الأخصائية النفسية أسيمة مرشد أن تعذيب الأطفال له نتائج كارثية تتمثل بما يعرف باضطراب الشدة ما بعد الصدمة، وهي تترافق بحالات القلق والخوف واضطرابات النوم، وانخفاض التحصيل العملي والتبول اللاإرادي، وسيطرة السلوك العدواني على الطفل الذي تعرض لحالات التعذيب.
الجزيرة