لا شك أن الطلب على اللحوم محلياً يقتصر على المقتدرين مالياً، ونسبتهم في زمن الحرب التي يعيشها السوريون قليلة في حال مقارنتها مع السواد الأعظم من المستهلكين الذين باتوا يضربون أخماسهم بأسداسهم لتدبير قوت يومهم المغمس بالدماء من شدة صعوبة الحصول عليه مع ارتفاع الأسعار وغلاء الدولار أمام الليرة السورية.
“أبو ماهر” (46 عاماً) من ريف حلب قال في حديثه معنا حول غلاء اللحومً “منذ عامين تقريباَ لم أذق طعم اللحم ولم يدخل بيتي، أعمل عامل بناء بسيط بعد أن فقدت ورشة الخياطة نتيجة الاستهداف بقذائف عمياء، ما دفعني للسعي وراء رزق “الطير” كل يوم بيومه”.
باتت اللحوم الحمراء من المواد الغذائية النادرة التي تتواجد على موائد السورين، فمع ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق أصبحت من الماضي وذكريات الزمن الجميل.
وبحسب الجدة “أم محمد” من ريف إدلب كشفت لنا في حديثها الذي يغلب عليه الحسرة والحزن على الأيام الماضية قائلة “لم أعد أتباهى بصنع المحاشي والكبب.. آه كان دهن لحم الغنم يعلو القدر ورائحة زكية تنبعث يستطيع المار من الشارع اشتمام زكاوته.. أما ورق العنب فله نكهة خاصة مع شرائح اللحمة وقطع الدهن الذي يكسبه المذاق الرائع.. مع الظروف الصعبة التي نعانيها اليوم وأيام حرب طالت باتت أغلب الأطعمة من اللحم المثلج وحتى في أغلب الأحيان نضيف لحم الدجاج المستورد من الجارة تركيا كبديل مع أنني أفضل أن أصنع الأطعمة بالزيت على ذلك”.
حال الجدة “أم محمد” كحال الكثير من السوريين الذين أجبرتهم ظروف الحرب وارتفاع الأسعار على التخلي عن أكل اللحوم الحمراء واستبدالها بأنواع أخرى كالفروج التركي ولحم الجاموس المثلج والمستورد الذي لا طعم له ولا نكهة.
ابنة الجدة “أم محمد” تقول اللحم المثلج رخيص نسبياً لكنه ذو طعم سيء وأطفالي لم يستسيغوه وأنا أحاول اجبارهم عليه، وبت في أحسن الأحوال أطعم أطفالي الدجاج حتى المثلج منه والمستورد.. ناسين الدجاج السوري الأغلى ثمناً”.
كلنا يعلم ثمة عوامل قاهرة حالت لتدهور الثروة الحيوانية في سوريا، ناهيك عن حصار خانق طال مناطق زراعية تشهد معارك مع نقص في اللقاحات والرعاية البيطرية وحتى الذبح الجائر ساهم سلباً على ارتفاع ملحوظ وخيالي لأسعار اللحوم
“أبو مراد” أحد اللحامين يقصد محله التجاري يومياً ليبيع ما تيسر له من لحم الأغنام وعند وجهتنا إليه أخبرنا عن معاناته قائلاً “كنت أذبح من3 إلى 4خواريف يومياً وفي بعض الأحيان أصل لنهاية اليوم وأشاهد رغبة في الشراء.. أما اليوم أحرص على عرض خاروف واحد راجياً من الله أن أبيعه ولا أضطر لاستخدام الثلاجة التي تحتاج مولدة لإشعالها.. ربما أقع في شرك الخسارة أكثر من الربح ذاته”.
ربما على المواطن السوري أن يتخلى عن عادته في مختلف جوانب الحياة حتى الغذائية منها، وكأن قصف قوات النظام ليلاَ نهاراَ لا يكفيه حتى يصبح عرضة للأمراض بسبب اللحوم المستوردة التي لا تخلو أحياناَ من كونها فاسدة نتيجة جشع التجار وغياب الرقابة.
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد