بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
لعل من المفيد ذكر أسباب فشل جنيف 4 لكي يتضح للشعب السوري والشعوب العربية المتعطشة للحرية حقيقة ارتهان قياداتهم وبعض المتحدثين عنهم للقوى الدولية وذلك مهما ارتفع سقف شعاراتهم أو علا دور الوطنية في خطاباتهم، إن كان ذلك في ضفة الأنظمة أو على ضفة المعارضة.
الملف السوري غادر قاعات مؤتمر جنيف 4 قبل الإعلان عن بدء جولة جديدة من المفاوضات في 20 مارس/آذار الجاري وذلك لعدة أسباب وأبرزها:
1. عدم رغبة القوى الدولية بإنهاء الأزمة السورية، وذلك بسبب اقتناع تلك القوى بأن الثورات هدفت لإسقاط أنظمة استبدادية محلية مرتبطة بمنظومة الهيمنة العالمية ، مما يفسر لنا امتناع البيت الأبيض عن تزويد المعارضة السورية بمضادات الطيران على سبيل المثال .
كما أن رغبة القوى الدولية بعدم إنجاح الثورات ترسخ لدى الجميع من خلال عودة أنظمة بعض الدول للحكم ولكن بحلة جديدة.
2. شرذمة المعارضة وتقطيع أوصالها، مما أدى إلى تشويه صورتها في الخارج والاستخفاف بمدى فعالية تلك المعارضة، وتم تطبيق تلك العملية بإدخال منصات جديدة تابعة لدمشق وموسكو ضمن جسد المعارضة الرئيسي و التي تتبع هي بالأساس إلى عدة دول ، ولكن الفرق بينها وبين بقية المنصات شاسع ، فأن تلك الدول التي تدعم منصة المعارضة الرئيسية هدفها تحقيق مصالحها بالمرتبة الأولى ثم القضاء على الأسد، وتبين ذلك في المرحلة التي سبقت اجتماعات الأستانة وكمية الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها المعارضة من قبل تركيا للذهاب والجلوس بجانب الإيرانيين وجعلهم طرفا ضامنا لوقف إطلاق النار .
3. تعطيل دمشق للحوار المباشر مع المعارضة، وتمييعها النقاط الرئيسية للتركيز على نقطة مكافحة الإرهاب.
فلقد تم نسف أرضية المؤتمر وصلب أمال السوريين على أخشاب اللاحل، وتمكنت دمشق من تحطيم أشرعة سفينة جنيف 4 قبل الإبحار عبر إضافة سلة مكافحة الأرهاب لسلال المؤتمر ، حيث صرح بشار الجعفري في مؤتمر صحفي عقده السبت 4 مارس/آذار (أستطعنا أن نفرض جدول أعمال اتسم بالعقلانية والاتزان ويخدم مصلحة الشعب السوري العليا، والموضوع الذي تم التركيز عليه بشكل كبير هو موضوع مكافحة الإرهاب.
وأضاف: “النقاط الأخرى، تطرقنا إليها بشكل عابر عدا مسألة الانتخابات، التي لم نتطرق إليها على الإطلاق !!!) ، فالجعفري يعبر وبشكل صريح عن رغبة دمشق بتعطيل مسار جنيف 4 .
بالطبع فإن مكافحة الأرهاب يعد النقطة الأبرز ومفتاح حل مشاكل السوريين ولكن دمشق أرادت لهذا العنوان العريض أن يكون تابوتا لجثة المؤتمر ، فاللأرهاب معنى خاص في الرقعة السورية !!
حيث تصف المعارضة العلاقة بين تنظيم الدولة ودمشق بعلاقة نفعية وتبادلية مشتركة بين الطرفين ، وقد تجلى ذلك من خلال مسرحية تدمر الأثرية وتوالي انتزاعها وعودتها لحضن الوطن !! كما تتهم دمشق المعارضة السورية بترأس هرم الإرهاب عبر عملياتها العسكرية ضد قوات الأسد ، بالإضافة إلى دمج أعمال بعض الفصائل المتشددة بصحائف المعارضة السورية .
أي أن ملف مكافحة الإرهاب ألقى بلغم سياسي في قاعة مؤتمر جنيف الرابع، وذلك بسبب اختلاف الرؤى من قبل المتخاصمين حول معنى الإرهاب وعلى من تقع مسؤوليته .
حركة خبيثة قام بها ساسة دمشق فبتلك الطريقة المخادعة يتم تهميش وتعطيل سير مؤتمر جنيف الرابع .
وفي السياق ذاته فإن مؤتمر جنيف الرابع لم يتمكن من تشكيل حل سياسي ولو كان مشوها ، كما لاتبشر تلك المؤتمرات بنقلة ولو بصغيرة في طريق إنهاء الأزمة السورية لعدم رغبة القوى الدولية بذلك، كما لم يتم دفع أثمان التفاهم بين الخصوم لاستحالة جلوسهم على طاولة حوار مشتركة تؤدي إلى خروج الأزمة السورية من عنق زجاجة (اللاحل) .
فالولايات المتحدة وروسيا يقومون باستخدام تكتيكات شيطانية من شأنها عرقلة العملية السياسية لأطول فترة ممكنة ، عبر سيناريوهات الأخذ والرد ومن خلال بوابات الأجتماعات الدولية المصابة بالشلل، ولزيادة توضيح هذه النقطة ولكشف أقنعة المتعاطين بهذا الملف وبقية الملفات الساخنة، ينبغي علينا المرور ولو سريعا بنظرة الكرملين والمجتمع الدولي حول فعالية تلك المؤتمرات ، فعلى الجانب الروسي يؤكد نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الأتحاد الروسي (أندريه كليموف) بأنه من السذاجة انتظار حدوث تقدم كبير في مفاوضات جنيف في المستقبل المنظور، لأن تسوية الأزمة السورية تتطلب ليس فقط عملية سياسية، بل ومحاربة المجموعات الإرهابية، وتسوية المسائل الإنسانية. ومع ذلك تبقى “المفاوضات في جميع الأحوال أفضل من القتال” .
وأما بالنسة لموقف المجتمع الدولي والذي تترأسه الولايات المتحدة حول جدوى تلك المؤتمرات ، نستطيع استدراك ذلك عبر تصريحات السيد ستيفان دي متسورا المبعوث الأممي للأزمة السورية المنبثق عن الأمم المتحدة والتي تعد فرعا من فروع واشنطن في المحفل السياسي العالمي.
فلقد أبرز دي متسورا ولمرات عديدة رأيه الشخصي بعدم أهلية تلك المعارضة ، كما وقام بممارسة الضغوط والحيل لضم أعضاء المنصات الأخرى للمنصة الرئيسية (فلقد أعلنت ممثلة مجموعة حميميم السورية المعارضة ميس كريدي أن الأمم المتحدة وموفدها الخاص بالشؤون السورية ستيفان دي ميستورا أظهرا المحاباة والتحيز ضد المعارضة الداخلية السورية !! .
ويتم الحديث الأن عن مؤتمر أستانا جديد ، وحلقة أخرى في مسلسل اللاحل السوري . فصرح المكتب الصحفي للرئيس الكازاخستاني: “في سياق محادثات جنيف التي اختتمت لتوها، أعلن الرئيس الروسي عزم المعارضة السورية عقد الاجتماع القادم بشأن تسوية الأزمة السورية في أستانا منتصف شهر مارس من هذا العام .
مسرحية فاضحة ومفضوحة تقوم بها القوى الدولية من أجل برمجة انطباع دولي بعدم أهلية المعارضات بأستلام زمام الأمور ، مما يؤدي في نهاية المطاف بزوال تلك المعارضات وأبقاء الأنظمة الحاكمة المرتبطة بالنظام العالمي المتحكم بدفة العالم (فكلب القصر لايتم أستبداله ، وأن دفعت الظروف المحيطة بحتمية أستبداله فيتم جلب كلب من ذات الفصيلة ).
المركز الصحفي السوري