“كان شعلة من النشاط والأمل.. معطاء خدوم بيشتغل ليل نهار بكل تفاني بدون شكوى أو ملل”
بتلك الكلمات بدأ عمر حديثه عن صديقه هادي، وقد بدت عليه ملامح الحزن والألم على فقدانه.
هادي شاب ثلاثيني نحيل البنية عالي الهمة، لم يلتقيه أحد إلا ولحظ فيه روح العمل بتفانٍ ومثابرة، يحدثنا عمر عن صديقه مسهبا بالوصف لتعود به الذاكرة بضع سنوات، قبل سقوط مدينة حلب وتهجير أهلها منها.
كان هادي يعمل في إحدى مراكز التدريب في حلب المحررة، عاملٌ بسيطٌ متواضع الحال متزوج ولم يكتب الله له أن يصبح أباً، رغم تعلقه الشديد بالأطفال، كان ينفق قسماً من أجره بشراء الأطعمة والهدايا لأطفال الحي، طالباً منهم التضرع إلى الله أن يرزقه بطفلٍ يسعد به يعيش لأجله مستقبلاً هانئاً.
يكمل عمر حديثه عن هادي “لم يكن يوفر جهداً في خدمة الآخرين.. تراه يعود من عمله، ليذهب إلى مطبخٍ خيري قرب منزله، يساعد العمال في تحضير وجبات الطعام للفقراء والمحتاجين دون مقابلٍ ، حتى عند المساء ينزل من بيته لينظف شارع الحي وأرصفته بكل رضا وسعادة”
إلى أن جاءت الأيام الأخيرة لسقوط حلب واشتد القصف وسقطت الأحياء.. حيّ تلو الآخر.. تجمّع الناس بتزاحمٍ في حيّ المشهد يفترشون الشوارع وسط البرد والجوع والقصف، لم يكن أمام هادي حلّ سوى أن يخرج زوجته وخالته وأبناءها الذين بالغوا بالضغط عليه ليخرجهم إلى مناطق سيطرة النظام خوفاً من القصف الجنوني الذي يتعرض له الحيّ.
حمل أمتعة أهله وذهب ليوصلهم إلى معبرٍ فتحته قوات النظام زعماً منها أنها تريد إخراج المدنيين من قبضة المسلحين الإرهابيين، فما كان من تلك القوات إلى أن فتحت النار على أرتال المدنيين وأمطرتهم بالقذائف، لتتطاير أجسادهم في المكان، ويسقط هادي شهيداً مع من سقط.
يقول عمر عن خبر استشهاد صديقه “ما استوعبت الخبر ما صدقت.. هادي اللي قلبه متل قلب عصفور.. اللي بعمرو ما آذى حدا.. يموت هيك.. كان أكبر أحلامه يصير عنده طفل يلاعبه ويكبرو سوا.. مات وماتحقق حلمه”
كان وقع استشهاد هادي كالصاعقة على كل من عرفه.. خيم الحزن على أهالي الحيّ بشيبهم وشبابهم أطفالهم ونسائهم.. فقد ترك أثراً طيباً يفوح منه عطر التسامح والمحبة والإخلاص.
كل إنسان مهما طالت السنون له نهاية.. لكن صاحب الأثر الطيب لايموت في قلوب وذاكرة من أحبوه.. يبقى ذكره حاضراً في أحاديثهم، يتخذونه قدوةً في تعاملهم مع الآخرين، يترحمون عليه ويدعون له بأن يكون في جنان الخلد.
قصة خبرية / إيمان هاشم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع