سقف وجدران بين الجبال والوديان في طريق وعر على بعد عشرين كيلو متراً عن بلدة معراتة الشلف في ريف حارم، لن تتخيل أن هذا المكان مأهولا للسكن.
“أبو خيرو” .. شاب ثلاثيني، غزا رأسه الشيب، فمرارة الحياة جعلت منه رجلاً هرماً وتجاعيد وجهه وتشقق يديه أعطته شكل رجلٍ سبعيني العمر، يعود ” أبو خيرو ” إلى منزله مثقلاً بعد عمله مساءً، يُبعد الطين عن حذائه ويدخل بوابة منزله ليظهر أمامه طفل ذو جسد صغير لا يظهر سوى رأسه زاحفاً على بطنه، يأخذه أبو خيرو ويضمه لصدره.
زرت العائلة، وحالها أعطى جواباً لكل أسئلتي، فالمشهد يتكلم، بدأ ” أبو خيرو ” حديثه قائلا ” أعيش أنا وأولادي وزوجتي في هذا البيت المتطرف بسبب الفقر، فحياتي صعبة ومليئة بالديون ولدي خمسة أطفال، أربعة منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، أكبرهم عمره 9 سنين حيث بدأ مرضهم منذ ولادتهم، فمرضهم صعب ونادر وإن وجد العلاج فلن أستطيع معالجتهم نظراً لحالتي المادية، وقلة حيلتي.
يأخذ أبو خيرو نفسا عميقا ويكمل حديثه ” أعاني مع زوجتي بتربيتهم، فاثنان منهم طريحا الفراش والاثنان الآخران بحاجة كراس متحركة ليستطيعا الحركة”.
يتابع ” أبو خيرو ” وأطفاله مجتمعين حوله بأجسادهم الصغيرة ” أذهب كل صباح إلى الجبال القريبة لتقطيع الحجار فتأتي أيام يكون مدخولي ألف ليرة سورية، أجلب بها الخبز وبعض المستلزمات والحمد لله نعيش بأقل ما يمكن رغم الديون التي غلبت حياتنا، ففي الحياة هناك ضعف وقوة، شجاعة وجبن، صمود واستسلام، نقاء وقذارة، فالمخلص يقاوم، والغادر يخون، والضعيف يتهاوى تحت اليأس، والبطل يقاتل، وأنا أقاتل في كل صباح لأجل أطفالي الصغار.
يأخذ أبو خيرو معوله وهمومه تثقله ليتسابق أمله مع ألمه نحو الصخور، فهو يرى إبتسامة أطفاله مفتاح صبره، ويأمل أن يجد طريقا لعلاجهم لعله يكون سبباً في إنقاذ أطفاله الأربعة.
بقلم : سهير إسماعيل