يخرجُ مع بزوغِ الشمس، يمتطي قدميه النحيلتين، يقطعُ مسافاتٍ طوال، ليبحثَ عن قوتِ يومه ورزقهِ المنشود، يكررُ أحمدُ روتينَ يومه المعهود، أياماً وأيام، وفي كل يوم يستذكر ماضيهِ وأحلامهُ الضائعة، أحلامهُ التي سرقتها الحرب..
أحمد ابن إدلب، تركَ منزلهُ وقريته وهاجرَ رفقةَ أبويه إلى مخيماتِ اللجوء.
يقولُ أحمد: ” كنتُ أدرس في المدرسة الثانوية، أدرس وأجتهدُ للحصول على معدلٍ عالٍ واحققَ حلميَ, وهو دراسةُ الصيدلة”.
لكن تبعثرت أحلامُ أحمد عندما بدأت المعركة الأخيرة.
“في أواخرِ نيسان، كانت كارثةٌ بحق ريفي إدلبَ وحماة، كنا نجلس آمنينَ مطمئنين، لا يقلق راحتنا شيء، لكن سرعانَ ما عادَ الضجيج، وهدير الطائراتِ مجدداً.
وبدأ مطرُ نيسان، لم يكن مطراً معتاد، كانت قذائِفَ وبراميل، تنهالُ فوق رؤوسنا وتشتت شملنا وتأخذ منا الكثيرَ من الشهداء.
تأكدنا أن الرحيلَ باتَ واجباً، سنرحلُ وربما لن نعود، ودعتُ مدرستي، وتركتُ كل ذكرياتي في باحاتها وملعبها، أسرت قلبي تلك المدرسة!
خرجنا وعائلتي، كانت آلافُ الأفكارِ تعبثُ بمخيلتي آنذاك، الحنينُ ومحبةُ الأرضِ ومستقبلي المنتظر، أساتذتي والزملاء… وكل حجرٍ في تلك المدرسة.
كان ذلك في نهاية عامِ 2018
وفي بداية النكبة
يقولُ أحمد أنه كان يحلم وما يزالُ بدراسة الصيدلة، لكن بعد هجرته وحياتهِ الجديدة في مخيمات اللجوء، وغيابِ مصدرِ دخلهم في أرضهم ودكانةِ والده في قريتهم، ضاعَ ذلك الحلمُ وتشتت، لم يبقَ أملٌ يبني عليه أحلامه، فالتعليمُ هناكَ ذو تكاليفَ عالية، ومصاريفُ المواصلاتِ والسكن لا يقوى عليها أحمد وعائلته البسيطه.
” دفنتُ أحلامي في قريتي، وبدأتُ العملَ هنا في صيانةِ السيارات، ربما لم أحقق حلمي لكنني سعيدٌ بمساعدةِ عائلتي ومساندتهم في مصاعبِ الحياةِ وغلاءِ المعيشة”.
لم يكن أحمدُ وحيداً في تحطمِ أحلامهِ ونهايةِ مستقبله في هذه الحرب، آلافُ الأطفالِ والشبان، تغيبوا عن مقاعدهم التعليمية، لأسبابٍ عديدة، لا يستطيعُ معظمهم الثباتَ ومتابعة الدراسةِ في ظل كل هذه الظروف القاهرة، ربما ينتظرون الفرصةَ لمتابعةِ التعليم، ينتظرون شمسَ أملٍ تشرقُ على مدينةِ أحلامهم.
لذلك يجب على كل من لهُ يدٌ في المجتمعِ ومنظماتهِ أن لا يقفَ مكتوفَ الأيدي، وأن يعملَ على تقديم يد العونِ ولو بقلم، فالعلمُ يبدأُ بالقلمِ…
إبراهيم الخطيب/ المركز الصحفي السوري