أحد الذين التقوا جون كيري في الرياض قبل يومين,قال في جلسة خاصة: إن الوزير كان يحاورهم كما لو أنه وزير الخارجية الإيراني لا الأمريكي.
مباحثات جنيف التي ستعقد لاحقاً مبنية على مشاورات فيينا الأخيرة ومخرجاتها، وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً للوراء نجد ان مخرجات فيينا هي ذاتها المبادرة الإيرانية للحل السياسي في سوريا، مبادرة النقاط الأربع,والتي كانت طرحتها طهران قبل أكثر من عامين.
في مراجعة سريعة للموقف الامريكي من الثورة السورية,نجد ان الإدارة الامريكية طوال خمس سنوات لم تكن جدّية في طرح أي حل,اذا اعتمدت سياسة إدارة الأزمة بدلاً من إيجاد حل.وتركت للاعبين الإقليميين ومن ثم لروسيا التحكم بمسار الاحداث مع اتباع سياسة إدارة الصراع عن بعد وبأقل الخسائر،لا مشكلة إذا لدى الأمريكيين طالما أن الجميع منغمس في الصراع أي أن الجميع يخسر ويستنزف في أتون الحرب الدائرة في سوريا.
إدارة الرئيس أوباما ركزت مجمل سياستها في المنطقة على إنهاء الملف النووي الإيراني، وكان لها ما أردات بعد توقيع الاتفاق النهائي مع طهران. هذا الإتفاق مع الإيرانيين جاء على حساب مصالح أبرز حلفاء أمريكا في المنطقة المملكة العربية السعودية وتركيا، إذ منعت أمريكا كل من السعودية وقطر وتركيا من دعم الجيش الحر وبقية الفصائل بالسلاح لمواجهة إجرام نظام الأسد الكيماوي، وغضت الطرف عن تدفق آلاف المقاتلين الشيعة وعن تسليح إيران للنظام ودعمه مالياً وعسكرياً بكل الوسائل الممكنة. بعد أن أنهى كيري اجتماعه مع وفد الهيئة العليا للتفاوض في الرياض قبل يومين، وبعد تسريب بنود اللقاء والإملاءات التي حاول الوزير فرضها على الهيئة، أصدر المبعوث الأمريكي إلى سوريا “مايكل راتني” بياناً توضيحياً. البيان في ظاهره محاولة لتجميل ما قاله كيري في الرياض، أو للتخفيف من الطريقة التي طرح فيها الوزير أفكاره على الهيئة .
لكن،في قراءة هادئة للبيان نجد أنه لم يأتِ بجديد، فالبيان مراوغ على الرغم من العبارات الجميلة الواردة فيه. ختم السيد راتني بيانه التوضيحي بتوجيه نصيحة للهيئة ” إن نصيحتنا للمعارضة السورية هي الآتي: انتهزوا هذه الفرصة لوضع نوايا النظام تحت الاختبار واكشفوا أمام الرأي العام العالمي من هي الأطراف الجادة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا ومن هي ليست كذلك. لقد سبق وأن دخلت الفصائل الثورية في مفاوضات مع النظام حول فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين، فلم لا تغتنم هذه الفرصة والمكاسب المحتملة منها أكبر بكثير؟” وأضاف السيد راتني في بيانه” نؤكد على إنه في حالة تسبب النظام بإفشال عملية التفاوض، فإن المعارضة السورية ستحظى بدعمنا المستمر وأي قول خلاف ذلك لا أساس له من الصحة. لكن يجب أن تبدأ تلك المفاوضات بحسن نية حتى يعلم العالم بوضوح من هو المسؤول عن نجاح أو فشل هذه المفاوضات”.
لم يخبرنا السيد راتني عن الدعم الممكن تقديمه في حال ثبت أن النظام هو من تسبب في تعطيل المفاوضات.قبل عامين وفي مثل هذا الشهر كانت مباحثات جنيف 2 قائمة، وذهبت المعارضة في حينها بكل ثقلها للتفاوض مع النظام حول تشكيل هيئة حكم انتقالية,وشاهد الجميع بمافيها الادارة الامريكية السيد الاخضر الابراهيمي وهو يعلن انتهاء المفاوضات دون التوصل إلى نتيجة تذكر بسبب رفض النظام لتشكيل الهيئة، وحمل الأخضر النظام كامل المسؤولية. ما الذي حدث بعد جنيف 2، لم تقم الولايات المتحدة بأي تحرك جدّي للرد على فشل تلك المفاوضات،على العكس، قامت بالضغط على حلفاء المعارضة الإقليميين لمنعهم من مواصلة تسليح الثوار.
الانطباع الذي وصل لمن اجتمع من أعضاء الهيئة مع كيري في الرياض، بأنهم أمام مسؤول إيراني لا أمريكي، هو انطباع يحاكي الواقع، من سلّم العراق لإيران على طبق من دم، يريد اليوم بعد أن حصل على التوقيع الإيراني على انهاء طموحها النووي تسليم سوريا وربما المنطقة للطموحات الايرانية، إيران تخلّت عن قنبلتها النووية لكنها تملك قنبلة شيعية، وفي حال قررت تفجيرها ستسيطر لاحقاً على أكثر من دولة في المنطقة.
ووفقاً لذلك فإن حلفاء المعارضة الإقليميين لديهم هامش محدود عليهم استغلاله ودعم المعارضة السورية بكل ما يملكون من إمكانات، إذ يكفي أنها تقاتل ايران اليوم نيابة عن كل شعوب المنطقة. فهل من متعظ ؟
أورينت نيوز