لدى طرح سؤال كهذا في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، يستنفر المتحمسون ويثور الغاضبون، فالسؤال بحد ذاته جريمة، والجواب الواضح أن أولئك المدنيين يفضلون الموت على مغادرة منازلهم في حلب الشرقية، بل إن هذا ما تروج له وسائل الإعلام بغالبيتها، في حين أنك لو اقتربت من الحقيقة ولامست شغاف الراقدين موتى تحت القصف قبل أن يأتيهم الموت، تجد أجوبة مختلفة بعيدة عما ذكر.
بلقاءات عدة أجرتها «القدس العربي» تفاوتت الآراء والرؤى ما يعكس هذا التفاوت بين الحلبيين المحاصرين أنفسهم، إذ يرى عمر أحد المعلمين المقيمين في أنطاكيا أن أهالي حلب المحاصرين يرغبون بالمغادرة في أسرع وقت، بعد أن سئموا مشاهد الموت اليومي، ويقول «معظم الأهالي في الأحياء المحاصرة من حلب يرغبون بالخروج، والتوجه إلى الريف المحرر أو إلى أي مكان آخر يكون أقل خطراً على حياتهم، لكن هنالك ظروفاً شتى تمنعهم أهمها خشيتهم من التوجه نحو مناطق النظام الذي لا يؤتمن جانبه بالنسبة لهم، ليبقى أمامهم خيار وحيد، هو الريف الحلبي المحرر أو ادلب وريفها».
ويضيف «لكنهم يدركون تماماً أن وصولهم إلى المناطق المذكورة لن يكون أكثر أمناً، بل إن تلك المناطق سواء في ريف ادلب أو ريف حلب، تقصف كل يوم من قبل الطيران الروسي، وبالتالي هم سيقومون بمغامرة قد تكون نتائجها غير مختلفة، وهذا سبب ترددهم في الخروج من حلب الشرقية، أما ما يتم الحديث عنه حول التمسك بالأرض وعدم تفريغ حلب والاستمرار في المواجهة مع النظام، فهذا كلام لا يعدو كونه شعارات حماسية، ففلذات الأكباد أهم من البيوت بالنسبة لمختلف المدنيين، وهنا أتحدث عن المدنيين فقط الذين لا ينتسبون إلى أي مؤسسة ثورية أو معارضة سواء كانت عسكرية أو مدنية».
بينما المواطن الحلبي أبو قيس والذي وصل إلى تركيا منذ أكثر من عام بحثاً عن عمل عله يجد مكاناً يؤوي أسرته بعد ذلك في غازي عنتاب التركية، يقول لــ«القدس العربي»: «أنتظر بفارغ الصبر تمكن أسرتي من مغادرة حلب الشرقية، وعندما تسنح الفرصة بذلك لن أنتظر دقيقة واحدة، وسأدخلهم إلى تركيا بواسطة المهربين رغم خطورة ذلك، لكن القصف الروسي الذي تعرضت له حلب، والذي قد تتعرض له أو لأسوأ منه قريباً لن يكون أقل خطراً».
ويضيف «عندما أعلن الروس والنظام ما سمي بالهدنة لخروج المدنيين والعسكريين أيضاً من حلب، لم تتمكن اسرتي من الخروج رغم رغبتها بذلك، لم يمنعهم أحد بشكل مباشر أو يهددهم إن حاولوا الخروج، لكن ابني الشاب خشي من أن يصطحب باقي أفراد الأسرة إلى المعابر ويفشل بالخروج، حينها سيعتبر خائناً او مستسلماً وهذا يعني الكثير بالنسبة لشاب، بل قد يعني تعرضه لمخاطر من نوع آخر.
يؤكد أبو قيس أن الجو العام في حلب يمنعك من الخروج منها، فسيطرة الفصائل، ومسارعتهم في إعلان رفضهم الخروج من أحياء حلب الشرقية، وتجميعهم لبعض الشبان من أجل التظاهر رافعين شعارات عن التمسك بالأرض والتشبث بالمنازل والاحياء المحاصرة، كل ذلك يعتبر منعاً غير مباشر للأهالي، الذين لم يجرؤ معظمهم على التعبير عن رغبته بالخروج أصلاً، وفي النتيجة فإن أولئك المغلوبين على أمرهم ومنهم أسرتي لم يتمكنوا من المغادرة رغم أنهم ينتظرون فرصة كهذه منذ شهور».
بينما يرى مصطفى العنداني النازح حالياً في إحدى قرى ريف ادلب، أن المشكلة لا تكمن بوجود الرغبة أو عدمها، «وأن الخشية من عمليات جوية روسية قادمة ستستهدف مدينة حلب المحاصرة، قد تدفع معظم الأهالي للمغادرة والنجاة من القنابل الارتجاجية التي تحصد أحياء بكاملها، لكن الاهالي لم يغادروا لأسباب أخرى قد تبدو تافهة أمام تمزق الأجساد بقنابل الطائرات».
يضيف «وجد معظم الأهالي أن موتهم بعز في منازلهم أفضل من الحياة المذلة في الريف المحرر سواء في ادلب أو حلب، فهنا لو أراد نازحو حلب استئجار منازل ليقيموا فيها مع أسرهم، فإنهم لن يجدوا غايتهم بعد ان أصبح إيجار غرفة لا تستحق سوى أن تكون اصطبلاً أكثر من خمسة وعشرين ألف ليرة سورية، فمن أين سيأتون بالمال ليستأجروا منزلاً ومن ثم ليؤمنوا متطلبات الحياة لأطفالهم وأسرهم، ليموتوا بعزّ قصفاً هناك، أفضل من أن يموتوا ذلاً وقهراً هنا».
«القدس العربي» – محمد إقبال بلّو